العلاقات بين الأفراد في الفضاء العام بالمغرب ..مؤشرات سلبية تحتاج منا الى أكثر من وقفة تأمل
أفرزت نتائج دراسة علمية ميدانية ،أن العلاقات بين الأفراد في الفضاء العام والأعطاب السلوكية ،بمختلف جهات المغرب ، لا ترضي معظم المواطنين و المواطنات ولا تماشى مع المبادئ والقيم الدينية والاجتماعية التي نؤمن بها ولا مع الأخلاق التي تربى عليها مجتمعنا .
وهذه المؤشرات السلبية في عمومها ،التي وصلت إليها الدراسة التي أنجزها المركز المغربي للمواطنة عبر استبيان ميداني ،تحتاج الى أكثر من وقفة تأمل لمعرفة أسباب هذا التحول العميق في سلوك المغاربة ،والمؤثرات التي جرتنا الى هذه الممارسات بعد أن كان المجتمع المغربي ،الى عهد قريب ، مثالا في التضامن والتآخي والتآزر وحسن الجوار والتعاون والإخلاص والتفاني والاحترام .
مع الإشارة الى أن الدراسة شملت الكثير من السلوكات البشرية اليومية التي تخص العلاقات بين الناس أو التعامل مع المحيط البيئي ،وتقيس مستوى احترام المواطنين لقواعد التفاعل الاجتماعي داخل الفضاء العام ،بما في ذلك معايير اللياقة والاحترام المتبادل ،المرآة التي تعكس جودة العلاقات الإنسانية في المجتمع، ودرجة ترسخ القيم المدنية المرتبطة بالعيش المشترك.
وسنكتفي في هذا المقال بتسليط الضوء بداية على احترام قواعد اللباقة واحترام الجار واحترام النساء واحترام كبار السن والأشخاص في وضعية إعاقة واحترام الفئات المستضعفة والفئات الهشة على أن نتطرق في مقال لاحق لمواضيع أخرى اجتماعية وصيانة الممتلكات الجماعية والتصرف الحضاري و ممارسات وسلوكات مجتمعية تدعونا نتائج الاستطلاعات الخاصة بها الى مراجعة الذات والعودة الى أخلاق الأجداد والآباء التي جبل عليها المغاربة ونبذ السلوكات الدخيلة الغريبة عن قيمنا .
بخصوص قواعد اللباقة (الأدب، استخدام لغة محترمة) رأى 44,8 في المائة من المستجوبين أن مستوى التزام المغاربة في الفضاء العام في هذا الجانب متوسط، في حين عبر 42,8 في المائة عن عدم رضاهم، وبلغت نسبة الرضا 12,4 في المائة فقط.
وعن احترام الجار وتجنب إزعاجه عبر 44,4 في المائة من المشاركين عن عدم رضاهم عن سلوك المغاربة تجاه جيرانهم ،بينما رأی 39,9 في المائة أن مستوى الاحترام متوسط ،و 15,7 في المائة فقط عبروا عن رضاهم عن درجة الاحترام.
وفي موضوع احترام النساء وعدم مضايقتهن عبر 52,2 في المائة من المشاركين عن عدم رضاهم عن طريقة تعامل المغاربة مع النساء في الفضاء العام، و 36 في المائة أن مستوى الاحترام متوسط و 11,9 في المائة فقط عبروا عن رضاهم.
وعن سلوك احترام كبار السن والأشخاص في وضعية إعاقة عبر 18,8 في المائة من المشاركين عن عدم رضاهم في حين وصف 37,9 في المائة رضاهم بالمستوى المتوسط و 43,3 في المائة عبروا عن رضاهم عن سلوك المغاربة في هذا الجانب من الفضاء العام.
وعبر 47,2 في المائة من المشاركين في الاستطلاع عن عدم رضاهم عن سلوك المغاربة تجاه الفئات الهشة ،في حين رأى 35,1 في المائة أن مستوى الاحترام متوسط و 17,6 في المائة فقط عبروا عن رضاهم.
وأشارت نتائج الدراسة الى أن مختلف مناطق المغرب شهدت تحولات عمرانية واجتماعية كبيرة، نتيجة تزايد عدد السكان، واتساع رقعة التمدن، وارتفاع معدلات الهجرة من القرى نحو المدن والمراكز الحضرية.
وقد ساهمت هذه التغيرات ،وفق الدراسة المنجزة خلال السنة الجارية ، في إعادة توزيع السكان على المستوى الوطني، وأثرت بشكل عميق في البنية الاجتماعية، خاصة من حيث أنماط العيش وأساليب التفاعل داخل الفضاءات العمومية، وكذا مفاهيم العيش المشترك.
واعبرت نتائج الدراسة أن هذا التحول تزامن مع تراجع ملحوظ في العلاقات الاجتماعية التقليدية التي كانت تسود داخل المجتمعات المحلية، حيث ضعفت قيم التضامن واليات الرقابة الاجتماعية داخل الأسر والجماعات، لتحل محلها علاقات يغلب عليها الطابع الفردي والتباعد الاجتماعي.
ورأت الدراسة أن ذلك انعكس على السلوك العام، حيث ظهرت أنماط جديدة يغلب عليها التوتر، وضعف روح الجماعة، وتراجع الالتزام بقيم الاحترام والانضباط في الفضاء العام.
وفي هذا السياق المتغير ، أصبح الفضاء العام ،وفق الدراسة ،مجالا للتنوع الثقافي والسلوكي، يجمع بين التقاليد المجتمعية الراسخة والتأثيرات القادمة من التحولات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافة الاستهلاكية.
ولا تقتصر هذه التحولات على المظهر المادي للفضاء العام، بل تمس أيضا منظومة القيم والسلوكيات خاصة ما يتعلق باحترام القوانين وصيانة الممتلكات الجماعية والتصرف الحضاري والمشاركة في الشأن العام. فعدم التوازن بين سرعة التغيرات العمرانية وبطء التحولات السلوكية قد يؤدي إلى مظاهر سلبية مثل اللامبالاة، وضعف الانخراط المجتمعي، وتراجع الشعور بالمواطنة.
بقيت الإشارة الى أن هذه الدراسة المنجزة عبر استطلاع للرأي همت 1173 مشاركة ومشارك ، وبلغت نسبة الذكور 75.9 في المائة ، مقابل 24.1 في المائة من الإناث.
و توزعت الفئات العمرية على النحو التالي: 32.6 في المائة تتراوح أعمارهم بين 30 و 39 سنة، و 28.4 في المائة بين 20 و29 سنة و 20.5 في المائة بين 40 و49 سنة، و 11.4 في المائة بين 50 و 60 سنة، بينما بلغت نسبة من تجاوزوا 60 سنة 7.1 في المائة .
و على المستوى الجغرافي، جاءت جهة الرباط سلا القنيطرة في المرتبة الأولى من حيث عدد المشاركين بنسبة 23.6 في المائة، تليها جهة الدار البيضاء سطات بنسبة 21.2 في المائة ،ثم جهة فاس مكناس بنسبة 12.1 في المائة ،فيما سجلت مساهمات متفاوتة من باقي الجهات أبرزها مراكش أسفي ،(10.7 في المائة) ، وطنجة تطوان الحسيمة (10.5 في المائة)، والجهة الشرقية (8.8 في المائة) .


