بقلم محمد الغول
القادة الفرنسيون وبعد تدارسهم للمعارك وخططها ، وإكتشافهم لقوة خصمهم ودهائه الطبيعي المدعوم بالأرض و الناس ، قرروا تغيير خطتهم وعدم الإنجرار الى مواجهات مباشرة مع رجال قبائل أيت عطا ، الجنرال هوري قرر الإنسحاب التكتيكي بقواته إلى الخلف ، حتى الإعداد الجيد لمعركته ، حيث قام بإستدعاء مزيد من القوات و العتاد وخاصة الجوي منها .
القادة الفرنسيون ، قرروا تنفيذ خطة قوامها الحصار الاقتصادي على مواقع قوات عسو أوبسلام لمنع الإمدادات عنه ، مع التقدم ببطئ ونهج سياسة الأرض المحروقة بوابل من القصف المدفعي والجوي لا يميز مابين المقاومين والمدنيين ، معتمدين نفس الخطة التي دفعت المقاوم عبد الكريم الخطابي للإستسلام في الريف بتجويع وتقتيل الآهالي ، وهكذا توالت مئات قطع المدفعية مع أزيد من أربعين طائرة على قصف المنطقة بدون توقف .
القصف الهمجي ، دفع المدنييون ثمنه خسائر فادحة في الأرواح حيث تتحدث أرقام تقريبية عن حوالي أربعة آلاف مدني أغلبهم نساء و أطفال ، قتلوا في أعمال القصف العشوائية هذه ، لكنها لم تزد المقاومين الا صمودا وتشبثا بمواقعهم وهو ما كان يترجم مزيدا من قوة النار الثأرية من مدفعية وطائرات الفرنسيين .
الحصار والمعارك ، إستمرت لحوالي الأربعين يوما ، من أواسط شهر فبراير حتى الخامس والعشرين من شهر مارس من سنة 1933 ، إستمرت المعارك سجالا ومعها الحصار الخانق والقصف المدفعي والجوي ، دون أن يتزحزح المقاومون عن مواقعهم في جبل صاغرو وأسيف ملول و جبل بادو .
مع إقتراب شهر مارس من نهايته ، كان الإنهاك بلغ مبلغه من المقاومين ، وأغلبهم خسر عددا من أفراد أسرته ، فالقائد عسو أوبسلام خسر زوجته وآخاه وإثنين من أبنائه وأصيب هو شخصيا ، كما أن الذخيرة نفذت من رجاله ، وفقط الكمائن والغارات التي يقومون بها متسترين بظلام الليل ، تمكنهم من الحصول على قليل من السلاح غنيمة من العدو، لكن المعنويات مرتفعة ولا أحدا يرغب في الاستسلام ، حتى النساء رفضن بشكل قاطع أي حديث عن الإستسلام للعدو وطالبن الرجال بمواصلة القتال .
المعنويات المرتفعة لم تمنع عسو أوبسلام من إعمال العقل والبصيرة ، فهو في النهاية مسئول عن أرواح الالاف ، أغلبهم عزل وحتى رجاله أصبحوا الآن عزل بعد نفاذ ذخيرتهم وإشتداد الحصار بشكل يمنع القبائل المجاورة المتعاطفة معهم من إمدادهم ، لهذا قرر القائد عسو اأبسلام إستغلال عنصر التململ واليأس الذي بدأ يدب في صفوف القوات الفرنسية الراغبة في سرعة إنهاء المعركة المكلفة لهم ماديا وبشريا ، وإنهاك قواتهم ، خاصة أن عدد القتلى في صفوف القوات الفرنسية وحلفائهم كان قد تجاوز سقف 3500 رجل بينهم عشرة ضباط ، فقبل عسو أوبسلام التفاوض مع الفرنسيين حيث إلتقى الجنرال هوري قرب زاوية بويا إبراهيم بتاريخ 25 من شهر أبريل 1933.
اللقاء إنتهى بإتفاق صلح سمي بسلم الشجعان ،حيث تم الإتفاق على إنهاء المعارك والإستسلام ، لكن دون قبول أي سلطة للباشا الكلاوي قائد مراكش على آراضي آيت عطا ، و الإحتفاظ بأسلحتهم و عدم تشغيل السكان المحلين في أعمال السخرة و عدم إستدعاء نسائهم الى الحفلات الرسمية للإستعمار ، هكذ أثبت عسو أوبسلام أنه داهية تفاوض وسلم ، كما هو داهية حرب ، لكن هذا لم يشفع له أمام هوس أبناء آيت عطا ونسائها بالحرية و التشبث بالأرض ، حيث تحول عسو أوبسلام بعد الإستسلام إلى موضوع هجو وإنتقاد في الشعر الغنائي لنساء آيت عطا ، وتلك رواية أخرى نحكيها.