على بعد أيام من الدخول المدرسي الجديد 2020/2021 تتناسل العديد منالأسئلة حول الظروف الاستثنائية التي سيعرفها الدخول الحالي،منهااستمرارية الاختلالات والتخبط الواسع الذي عرفه الموسم الدراسي السابقمنذ أواسط مارس 2020 مع ظهور وباء كورونا، وفي غياب رؤية حكوميةواضحة لكيفية تدبير الموسم الدراسي الحالي مع الأعطاب الكبيرة ومخلفاتالموسم السابق الذي طبعه التخبط والارتجال وحرمان ملايين التلاميذ والطلبةمن تلقي تعليمهم في ظروف عادية وطبيعية، خصوصا في ظل ما طرحهالتعليم عن بعد من إشكالات، وما رافق ذلك من احتجاجات واحتقان وسطالآباء والأمهات.
وعلى الرغم من الضبابية وغياب الرؤية الذي يطرحه الدخول المدرسي الحاليإلا أن ذلك لم يمنع الوزارة الوصية من إصدار مقرر دراسي عادي كما فيالظروف العادية، انصياعا منها لضغوطات مؤسسات التعليم الخاص،واضعة له هذه السنة شعار “من أجل مدرسة متجددة ومنصفة ومواطنةودامجة“، ومعلنة أن المقرر قابل للتعديل في مقتضياته ومحطاته حسب “ماتتطلبه الضرورة، وذلك في ضوء معطيات تطور الحالة الوبائية بالمملكة، بمايكفل تأمين الاستمرارية البيداغوجية لكافة المتمدرسات والمتمدرسين بجميعالمستويات الدراسية، في ظروف تضمن سلامة المجتمع المدرسي، ووفقشروط ومعايير تستجيب لإجراءات الوقاية الصحية المقررة من طرفالسلطات المختصة“.
لكن السؤال المطروح : ماذا أعدت الوزارة لذلك خصوصا وأن كل المؤشراتتؤكد أن الحالة الوبائية في المغرب تتطور بشكل سلبي مع الارتفاع في عددالإصابات والوفيات؟ هل أعدت بروتوكولا صحيا مضبوطا لتأمين دخولمدرسي صحي وسليم؟
والسؤال الأعمق هل البنيات المدرسية مؤهلة لضمان دخول مدرسي حضوريسلس، خصوصا في ظل الخصاص الفظيع على مستوى الحجرات الدراسيةوالأطر التربوية والإدارية؟ وكيف للأكاديميات والمديريات العاجزة عن تأمينوسائل التنظيف والتعقيم أن تتمكن من تأمين دخول مدرسي في ظل وباءكورونا؟ وهل للوزارة القدرة والوسائل المادية واللوجستية لإجراء تحاليلالكشف عن الفيروس لكافة أطرها وتأمين الكمامات وإجراءات التباعد فيظل الاكتظاظ الذي تعيشه المؤسسات العمومية، وخاصة في ظل الهجرةالجماعية لتلاميذ مؤسسات التعليم الخاص نحو المدارس العمومية بعد ماوقع في السنة الماضية من احتقان وشد وجذب وصل إلى المحاكم حول أداءواجبات التمدرس من عدمها في زمن الجائحة؟
في إحدى تصريحاته، أكد وزير التربية الوطنية أنه لم يتم إلى حد الآنالحسم في أشكال ضمان وتأمين الاستمرارية البيداغوجية، هل عبر التعليمالحضوري أو عبر التعليم عن بعد، أو عبر التناوب بينهما، لكن الإشكالاتالمطروحة اليوم تمتد إلى كل هذه الأشكال، فعلى مستوى التعليم الحضوريلا يمكن بتاتا في ظل هذه الوضعية الوبائية تحويل المدارس والمؤسساتالتعليمية إلى بؤر للوباء في ظل عدم قدرة الوزارة لا على مستوى التجهيزاتوبنيات الاستقبال والأطر الكافية ولا على مستوى الوقاية والحماية والتعقيموالنظافة والتباعد في تأمين هذا الدخول الحضوري. كما أنه على مستوىالتعليم عن بعد، فإن التجربة في السنة الماضية كشفت تناقضات واسعة، لاعلى مستوى غياب الحق في تكافؤ الفرص في غياب توزيع الحواسيبوالطابليتات على كافة التلاميذ وأطر التدريس وتوفير الأنترنيت المجاني، ولاعلى مستوى غياب أي تكوين لأطر التدريس في مجال التدريس عن البعد،وكون التعليم عن بعد لا يمكنه بأي شكل من الأشكال أن يكون بديلا للتعليمالحضوري، وهو الأمر الذي اعترفت به الوزارة نفسها، خصوصا في ظلالنتائج الهزيلة وضعف المواكبة والاستمرارية البيداغوجية في التعليم عنبعد، على الرغم من أن هذا الأخير كان من بين الرهانات التي راهنت عليهاالدولة منذ صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والتي كانت تهدف منورائها بالأساس إلى التقليص الجذري من الوظائف ومناصب الشغلبالقطاع، وتسريع التوجه نحو خوصصة المدرسة العمومية والتخلي عنالوظائف التقليدية للمدرسة العمومية في اتجاه الانتقال نحو مفاهيم التعليمعن بعد وخلق وسائط ومؤسسات جديدة للتعليم تسهل تخلص الدولة منوظيفتها الاجتماعية في توفير الخدمات العمومية وفي مقدمتها الحق فيالتعليم العمومي المجاني.
لقد كشفت جائحة كورونا على أهمية قطاعات الصحة والتعليم وفراغ المقولةوالسياسة التي ارتكز عليها عبد الإله بن كيران وحكومته حينما صرح بأنه“حان الوقت لكي ترفع الدولة يدها عن الصحة والتعليم“، وتأكدت أهميةالتعليم وما تشكله المدرسة من فضاء للتربية والتكوين، وكانت الجائحة فرصةللدولة لتعيد النظر في سياساتها في القطاع عبر توجيه الميزانيات الكافيةلتوفير المدارس والثانويات والتجهيزات والوسائل بالعدد الكافي، ولتحفيز أطرالقطاع، لكنها لم تستوعب الدروس وأمعنت في سياستها اللاجتماعية فيالقطاع عبر تخفيض نفقات التسيير والاستثمار لوزارة التربية الوطنيةوالتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بأزيد من 5 مليار درهم،وتستعد لرهن مصير وصحة ملايين المتمدرسين والأطر للمجهول عبر تدبيرارتجالي يفتقد لأية رؤية استراتيجية أو استباقية تحمي وتقي المعنيينبالدرجة الأولى وتضمن حق التلاميذ في التمدرس والتحصيل الدراسي.