رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين ترصد حجم الاضطرابات التي ميزت سوق الأضحية هذه السنة
قبل حلول موسم العيد، انطلقت بعض الأصوات التي طالبت من وجهة نظر أصحابها بتعليق ذبح الأضحية هذه السنة بسبب الظروف الاستثنائية ذات الصلة بالانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية والصحية لجائحة كورونا. فتمت مطالبة الحكومة باستعمال عين العقل والتفكير في اتخاذ قرار الاستغناء عن أضحية العيد. وقد قوبلت تلك الدعوة بردود فعل متفاوتة، حيث رحب البعض بالفكرة، واعتبرها وجيهة وبادرة حسنة لو تم تفهمها وعمل بها لأنها سترفع الحرج عن المغاربة وستضع حدا للمشاكل التي قد تنتج عن الاختلاط في الأسواق والتزاور في أيام العيد، ثم الانعكاسات الصحية المحتملة التي لا يمكن التحكم فيها، في حين وقف طرف آخر ضد هذا المقترح وسمح لنفسه بمهاجمة أصحابه والتنمر عليهم وإخراجهم من الملة والدين .
وكان الطرف الأكثر حماسة هو وزير الفلاحة الذي أصر على إحياء سنة العيد من أجل إظهار “حنة يده” تحت ذريعة إنعاش الاقتصاد المنهار تحت ضربات جائحة كورونا، حيث بادر في الحين إلى الإعلان عن افتتاح ما سماه الأسواق “النموذجية” لتسويق رؤوس الأضاحي، ولم تتخل الجهات المسؤولة طيلة الشهور التي تسبق العيد عن النفخ في عدد رؤوس القطيع التي قيل عنها أن العرض سيفوق مستوى الطلب، وأن الجودة والثمن المناسب ستكون العلامة المميزة لسوق هذه السنة، بل تم التحذير من عدم تسويق رؤوس الماشية المخصصة للعيد، لأنه سيشكل كارثة بالنسبة للفلاحين وساكنة العالم القروي وللاقتصاد الوطني بشكل عام .. لكنه مع اقتراب يوم العيد وشروع المواطنين في ارتياد الأسواق من أجل اقتناء الأضحية، أكتشفوا من أول وهلة أن دار لقمان ما زالت على حالها، وأن سوق هذا العام هي نفس السوق من حيث الثمن المرتفع وغياب الجودة و تردي مستوى الخدامات المتوفرة داخل الأسواق النموذجية. فقد اتضح للعيان أن كل ما يتم ترديده ضمن تصريحات المسؤولين عبر وسائل الإعلام لا يطابق الحقيقة في أغلبية الأسواق .. فالتنظيم ليس هو التنظيم الموعود، كما أن التدابير الاحترازية المقررة من طرف السلطات الإدارية ظلت حبرا على ورق، حيث إن أسواق العيد في مختلف المناطق بالمغرب قد تحولت إلى نسيج من الفوضى العارمة بسبب افتقارها إلى التجهيزات وفضاءات الاستقبال المناسبة، هذا إضافة إلى سوء التسيير ، وغياب أجهزة المراقبة، مما ساهم في خلق أسباب التوتر والمنازعات بين الباعة والمرتفقين داخل الأسواق نتيجة قلة مستوى العرض وارتفاع أثمان البيع .. وقد تطور الأمر إلى مهاجمة الباعة و رجمهم بالحجارة من طرف مجموعات من الأشخاص كما جرى في كل من فاس وطنجة ، وهو ما جعل العديد من الكسابة يغادرون السوق خوفا على أنفسهم في ظل الغياب التام للسلطات التي يبدو أنها قد جعلت نفسها في حل من هذا الموضوع. وإلا بماذا يفسر ذلك التسيب الذي ضرب العديد من الأسواق التي ظلت تحت رحمة “الشناقة “الذين ألهبوا الأسعار، وساهموا في إشعال الحرب بينهم وبين بعض المواطنين الذين لم يجدوا في نهاية المطاف مسلكا للفوز بأضحية العيد.
وبالعودة إلى المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام عن أسواق العيد، يتضح أن غالبية المواطنين يعيشون في كوكب آخر بعيدين كليا عما يحدث حواليهم داخل الوطن وخارجة من مآسي نتيجة تزايد عدد الإصابات بداء كورونا التي قاربت 17 مليون مصاب وحوالي مليون من الوفيات على الصيد العالمي. هذا فضلا عن استفحال مشكل الفقر والجوع الذي يفتك بساكنة عدد من المجتمعات مثل لبنان، اليمن ، العراق ، سوريا، وكذلك مراكز اللاجئين في عدد من مناطق النزاع والحروب، حيث أصبحت الملايين من الأشخاص مهددين بالموت، كما أن العديد من الأشخاص غدوا يقتاتون على القمامة أو على المساعدات الدولية الشحيحة.. كل ذلك لم يحرك ساكنا لدى أهلنا وأبناء وطننا المنشغلين بجذبة العيد وشهوته التي أنستهم كل شيء،
وجعلتهم يتخلون عن كل المبادئ والقيم التي درجوا عليها منذ صغرهم وتلقوها في المدارس والكتاتيب، وحفظوها من القرآن الكريم ومن السنة النبوية. فالتعليمات الإدارية والقوانين الزجرية لم تعد تجدي نفعا أمام هؤلاء الذين ضربوا كل شيء عرض الحائط وأصبح كل واحد يعيش لنفسه، حيث لم يعد أحد يؤمن بقواعد الوقاية الصحية، رغم مرور خمسة أشهر على ظهور الإصابات المتزايدة باستمرار، وكذلك ظهور نذر الخطر المتزايد بعد تسجيل ارتفاع في عدد الوفيات وحالات الإصابات الحادة. فقد ظل هؤلاء متشبثين برأيهم الخاطئ مهما كانت العواقب المأساوية. فلا وجود لشيء اسمه الكمامة أو التباعد الجسدي أو النظافة، أو التنظيم .. وأمام ذلك المشهد التراجيدي الذي تعززه أشرطة الفيديو التي تعكس أجواء سوق العيد في عدد من الأسواق بالمغرب، لمن يجب تحميل المسؤولية عن هذا الإخفاق الذريع؟
فهل توضع المسؤولية على المواطن المغلوب على أمره، والذي لم يعد يفرق بين الخيط الأبيض من الأسود في مثل هذه الظروف، أم على السلطات والجهات المسؤولة المكلفة بتأطيره وتنظيمه، وتعويده على الانضباط وممارسة حقوقه بشكل سليم يحفظ كرامته ويعلي من قدره وقيمته ؟
لقد أخفق المسؤولون محليا ومركزيا في ترجمة شعاراتهم الجوفاء وتطبيق كل القرارات التي سطروها بأيدهم أو نطقوا بها بأفواههم الخرساء.
فأين العرض الذي كان يعد بتوفير سبعة ملايين من الأضاحي؟ وأين وفرة العرض الذي يسمح باستقرار الأسعار ؟ ولماذا اختفت أجهزة المراقبة الخاصة بتتبع الأسعار في السوق ووضع حد لجبروت الشناقة والمضاربين ؟
وأين الأطراف التي التزمت بتنظيم الأسواق وفق معايير السلامة من الأخطار لضمان عدم انتقال وباء كورونا بين الأشخاص، وكذلك إنجاح مناسبة العيد المقدس بالنسبة للمغاربة ؟ فمن خلال الصور المنقولة من مختلف الجهات، نتساءل، هل هناك ما يؤكد وجود شيء اسمه التدابير الاحترازية ؟ وهل تتوفر وسائل الوقاية من المرض؟ وهل استطاع كل المواطنين الحصول على مبتغاهم من سوق العيد؟ . إن هذه الحقائق المرة ستظل تسائل المسؤولين إلى قيام الساعة عن سبب هذه النكسة التي كان في الإمكان تجنبها لو تم الإعداد الجيد لهذه المناسبة .. أفلا يتطلب الأمر تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في أسباب الكوارث الذي عرفها سوق العيد في مختلف المناطق بالمغرب، والبحث في طبيعة القرارات الطائشة التي كانت سببا في تعذيب المواطنين وإهانتهم بشتى الطرق والأساليب .. ألا تستلزم هذه النتائج الكارثية محاسبة الجهات المسؤولة وإقالتها من المهام لتكون عبرة لغيرها في المستقبل ..؟
ولمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، نرفق هذا التقرير بشريط فيديو يكشف عن حجم الاضطرابات التي ميزت سوق هذه السنة في بعض الأقاليم بسبب تقصير الجهات المسؤولة التي فقدت البوصلة وضيعت زمام الأمور، ولم تعد تدرك حقيقة ما تقوم به وتنجزه على أرض الواقع،حيث يبدو بجلاء أن هذه الجهات قد أصبحت مصدر توالد المشاكل على كافة المستويات..