عند اقتراب كل استحقاق انتخابي، يَكثر الحديث عن كيفية الإعداد له، ومَن سيتولى ذلك. سابقا تم تقديم مقترح قانون للمطالبة بإشراف هيئة مستقلة على الانتخابات، (مستقلة) عن جميع الأجهزة والمؤسسات الدستورية وتتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وتمارس وظيفتها بكل حياد وموضوعية. هيئة تحسم في تفاصيل العملية الانتخابية بعيدا عن هاجس التحكم المسبق في مخرجاتها، لكن الأمر ظل دائما في يد وزارة الداخلية كما هو الحال في الانتخابات التشريعية لسنة 2026.
تم تكليف وزير الداخلية بالإشراف على الانتخابات المقبلة، وقد رأى البعض في هذا الأمر ضربة لأخنوش، وتهميشا لدوره، بل هناك من حسم أمر المستقبل السياسي لأخنوش، فرمى به في غياهب النسيان. لكن واقع حال السياسة بالمغرب يقول إن مَن ترتفع الأصوات مُطالبة بتحييده هو من يُثبت في موقعه بل يَتمدد لأفضل منه.
وقد يكون إبعاد أخنوش على مباشرة أمر الانتخابات فيه رفع الحرج عنه وعن الدولة، لأنه رئيس حزب سيسعى للفوز بالانتخابات المقبلة، ولا يُعقل أن يكون هو الخصم والحكم. كما أن أخنوش تَحَكّم في مؤسسات حَيوية مثل الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي بقاعدة معطياتها الواسعة. فإلى أي حد ستتم مراقبة استغلال هذه المعطيات العامة في الحملات الانتخابية الخاصة؟
كما لا يمكن إسناد الإعداد للانتخابات في هذا الظرف السياسي الحساس لرئيس حكومة تتبعه الفضائح، وآخرها اتهامه شخصيا بتقديم رشوة لإحدى المؤثرات لإسقاط ابن كيران أثناء مرحلة البلوكاج. لحد الآن لم يخرج أي تكذيب للموضوع!
يُقارِن العديد من المتابعين بين تكليف رؤساء الحكومة السابقين بالإشراف على الانتخابات بينما تم تحييد أخنوش حاليا، ويَرون في ذلك انتصارا ديموقراطيا كبيرا. قد يكون الأمر إيجابيا من الناحية الشكلية، لكن هل هناك إرادة سياسية حقيقة تُقنع الناخبين بالتوجه إلى مراكز الاقتراع ومحاربة العزوف وانعدام الثقة؟ وقبلها فتح الفضاء الإعلامي العمومي لنقاش هادف ومُحفز.
هل مَنَع إشراف رؤساء الحكومة السابقين من وقوع تجاوزات في العملية الانتخابية؟ وقد تابعنا تصريح وزير العدل والحريات الأسبق المصطفى الرميد، الذي امتنع عن حضور متابعة أطوار الانتخابات التشريعية 2016.
وقد صرح بهذا الأمر حينها عبر صفحته بالفايسبوك قائلا بأنه: “لا يستشار ولا يقرر في لجنة الإشراف على الانتخابات، وأن أي انحراف أو نكوص تعرفه الانتخابات المقبلة لن يكون مسؤولا عنه” لم ير الرجل تأثيرا له على عملية يتحكم فيها الولاة والعمال ومن هم تحتهم.
كذلك لازالت أمامنا نتيجة انتخابات 8 شتنبر سيئة الذكر، التي فُصِّلت فيها القوانين ضدا على رئيس الحكومة الذي أشرف على افتتاح مشاورات انتخابات 2021!
يبقى الميدان هو الاختبار الحقيقي للأقوال، فقد رافقت العمليات الانتخابية منذ بدايتها شعارات مثل استكمال البناء الديموقراطي، النزاهة والشفافية.. لكن الوقائع التي تحَدْثُ بعدها تؤكد عكس ذلك. نتمنى أن تكون هذه المحطة قطيعة حقيقية مع كل الممارسات السلبية، وخاصة المال الذي يفسد العملية الانتخابية ويتحكم في الخريطة السياسية للبلاد، وقد كان هذا موضوع الدعوة التي رفعها برلماني فاس المعتقل.
الآراء الواردة في المقال التالي تمثل صاحبها ولا تمثل بالضرورة آراء صحيفة “365 يوم”.