أعادت الأزمة الصحية للكاتب المغربي الميلودي شغمومي ، إلى الواجهة مرة أخرى واقع الكَاتِبْ المغربي المأزوم ، الذي يصدمنا كأنه واقع مفاجئ كلما تعرض كَاتِبُ لأزمة صحية ، أعجزه وضعه المالي بعد عمر طويل في خدمة الكتابة والثقافة على العموم عن مواجهتها ، لتنطلق جوقة التباكي في تسول مساعدة ودعم لهذا الكَاتِبِ أو ذاك ، و تستمر متحدثة عن واقع الكِتَاب و الكُتَاب المريض ، حتى يغادرنا هذا الكَاتِبُ أو ذاك ، فتطفح دموعهم وأغلبها دموع تماسيح ، مترحمين و ذاكرين و مذكرين بعظمة ما قدمه الفقيد للثقافة الوطنية ، ثم يعم الصمت المتواطئ مع التجاهل و النسيان ، حتى فاجعة أخرى ، دون أن يضع أحد من زمرة هؤلاء( سماسرة و مدعوا الثقافة و الإبداع ) يده في نار حقيقة الأزمة و الحلول .
في مجتمع سليم البناء ، مهما كان واقعه الإقتصادي ، الكَاتِبُ الحقيقي المبدع و المنتج بعد عمر طويل في الإبداع على غرار الشغمومي وآخرين …ما كان لهم أن يتسولوا الرعاية الصحية أو المادية ، ذلك حقهم المطلق على المجتمع ، الدولة ملزمة بإيجاد حلول تضمن كرامتهم ، ليس بغمسهم في عسل الريع ، بل بوضع القوانين الواضحة الضامنة لحقهم المادي في رحيق إبداعهم ، و عدم تركهم رهائن لجشع مستثمري الثقافة .
الكَاتِبُ المغربي إذا حاورته إشتكى لك فقع مرارتك جشع الناشرين و الموزعين و الطابعين ، الذين لا يتركون له من رزقه حتى الفتات ، إن لم يطالبوه بالاداء فوق أرباحهم ، القضية ليست أزمة قراءة فعلاوفقط ، القضية أوسع من ذلك ، لن يقنعني أحد بأن الناشر والطابع والموزع …يقوم بإستثماره وعمله لعقود ، مجانا و خدمة للكِتابِ و الثقافة ، المستثمر هدفه الوحيد هو الربح ، وهذا حقه الذي لا يجادله فيه أحد ، لكني أجادلهم في جشعهم الذي يحول الكَاتِبَ المغربي إلى مجرد متسول ، يتسول النشر والطبع والتوزيع و حتى الخبز و بعدها قد ينتهي متسولا الدواء و العلاج ، إلا بضعة نادرة .
نسمع في كثير من الأحيان عن دعم الكِتَابْ ، لكن لا أحد يشرح لنا ماهية وكيفية هذا الدعم ، إسألوا الكُتَابَ ، لتعلموا أنه عنهم بعيد و إلى جيوب مستثمري الكِتَابْ قريب ، هل سمعتم عن بلاد الكَاتِبْ فيها يكتب و يطبع و ينشر و يوزع لكي يهرب من جحيم الجشع ، تلك ليست مهنا للكَاتِبْ ، لكنه في هذا الوطن مضطر لا بطل ، ليحفظ أولا كرامته ، و ثانيا نزرا قليلا من الربح ، لا يقيه عاديات الزمن ، في وطن الكِتَابَةُ فيه طريقك الى الفقر ، إن لم تتمترس بوظيفة أو مهنة ، تحميك غدر الأيام .
واقع الكَاتِبِ المغربي ، يحتاج حلولا وليس تسولا ، و أدعوه إلى أن يتأقلم مع عصره ، فالكِتَابُ الورقي الى زوال ، وينتبه الى فعل فقاعات الفن و حثالة منتجي المحتوى ، كيف حولوا النقرات الى دولارات ، فكيف لا يكون للكِتابِ منها نصيب ، الكاتِبُ المغربي يحق له أن ينعتق بحرية الشبكة ، متجاوزا القيود و الحدود ، هناك يبقى كل الفضل لقوة قلمك و إقناع أسلوبك ، بعيدا عن جشع تجار الثقافة ، و تسول الجوقة المعهودة .
محمد الغول
mohamed_elghoul@hotmail.com