قال لي عقلي : اذهب إلى مهرجان فروسية ماطا الذي يقام اليوم بجماعة أربعاء عياشة ، إقليم العرائش واصطحب معك أبناءك لتستمتعوا بمشاهدة مسابقات الفروسية وتتعرفوا على طقس ماطا وتراث البادية الثقافي المتناقل جيلا عن جيل.
سرنا في الطريق حتى وصلنا إلى جماعة أربعاء عياشة، كان مدخل الجماعة مزينا بالأعلام، وعلى جنبات الطريق رصت أحجار مصبوغة بالجير الأبيض، لم تكن هناك لافتات تشير إلى مكان التظاهرة ، سألنا فقيل لنا أن نتابع في طريق غير معبدة لكيلومترين تقريبا. كانت الطريق غير المعبدة مهيأة حديثا، أرضها غير صلبة لن تصمد دقائق معدودة أمام الأمطار والسيول. مقطع من تلك الطريق كان عقبة كأداء، أفرغ في جزء منها الرمل والحصى لسد حفرة أو انجراف كبير. كانت السيارات تعاني في الصعود ، تتوقف في وسط الطريق، أو تعود القهقرى لتحاول الصعود من جديد. وصلنا إلى مكان المهرجان، وأول ما تناهى إلى سمعنا صوت يقول: ها دوا التوكال، ها دوا البرودة ، ها الي كيطيح له الشعر بالمشط أو بدون مشط… كان هناك صف من الخيام كأنك في سوق أسبوعي قروي ، وخيام أخرى كبيرة نصبت للمهرجان. كان لافتا حضور عدد كبير من الحرس الخاص، طائفة منهم يرتدون بذلات بالية: أقمصة زرقاء وسراويل شبه عسكرية سوداء مع أحذية غليظة. كانوا أقل شأنا وربما أيضا أجرا من نظرائهم الآخرين. لم يتشدد مشغلهم في انتقائهم كما فعل مع الفئة الثانية: شبان شداد غلاظ ببذل سوداء ونظارات شمسية وقمصان بيضاء يقفون على مدخل خيمة المعرض وأمام منصة وضيعة، لا ينظرون إلى الناس، وإن نظروا فمن عل لضخامة أجسامهم، يخيل إليك وأنت في تلك الطبيعة القاحلة والجو المترب المغبر أنهم نزلوا للتو من مركبة فضائية، أو خرجوا من شاشة فيلم هوليودي..
ما يزيد من سريالية المشهد لباس بعض النسوة المشرفات على تنظيم التظاهرة، مبالغة في التبرج، شعور مصففة ووجوه مصبوغة بمكياج لا أعرف كيف سيبدو بعد مرور ساعات من التعرض للشمس والأتربة والعجاج..
تمثلت مهمة أحد الحراس في ألا يقترب أحد أو يجلس في الصفين الأمامين المخصصين لعلية القوم أو المسؤولين بتعبيره، ولا أحسبهم إلا كائنات فضائية- قيل والله أعلم أنها لا تظهر إلا في الانتخابات- أعلى شأنا وأكثر برودة وصرامة، لا يرف لها جفن وهي تعبر الطرق المهترئة، ولا يرق قلبها لمشهد فقر أو بؤس أو علة أو عزلة..
قلت لعقلي: لقد جنحت بي كثيرا ياعقلي حينما أتيت بي إلى هذا القفر وصورت لي المهرجان على هيئة احتفاء بالثقافة المحلية وبالسكان القرويين، قلت لي أن الأطفال سيتعرفون على طقس ماطا ورمزيته، وسيتعرفون على أسماء الفرسان وفرقهم وقراهم… وسيستمتعون إضافة إلى ذلك بالمسابقات وعروض التنشيط والهدايا الرمزية التي ستقدمها أكثر من مؤسسة مشاركة أو داعمة، لترسم البسمة على أطفال العالم القروي وشيوخه ونسائه. جنحت بي كثيرا ياعقلي الحالم..
قال لي عقلي: ألم يكفك أنك شاهدت فارسا يعتلي صهوة فرسه واقفا ويطير بها مثل محارب من العصور الغابرة. أضعف الإيمان أنك شاهدت صنفا من الكائنات الفضائية أما الصنف الثاني فلن تراه إلا في بضع سنين..
ضحكت من جواب عقلي الحالم وغادرت المكان وصوت بائع الأدوية يدوي في الفضاء المقفر: ها دوا البرغوت، ها دوا الفيران ، ها دوا بوزلوم، ها دوا التوكال… ،بينما لم تصل صيحات الفرسان إلا ضعيفة متقطعة، بالكاد تسمع كأنين سرمدي خالد.