اكتشاف سور تاريخي بموقع بناء بمدينة طنجة العتيقة وجمعية تحذر من إتلافه (صور)
حذرت جمعية من قيام أشغال بناء بالمدينة القديمة لطنجة، بإتلاف سورف تاريخي بموقع البناء، حيث لم تكترث المقاولة العاملو ولا صاحب الورش، بإخطار السلطار، وقامو بحفر جزء من السور والبناء فوقه.
ودقت جمعية تراث الساحل المتوسطي المغربي، ناقوس الخطر، في تقرير مفصل لها حول الموصوع، بعد معاينتها لورش البناء، ومعاينة عدم اكتراث صاحب المنزل بالقيمة الأثرية للسور المكتشف.
إليكم نص التقرير :
إن المدينة العتيقة لطنجة بنيت على مستويات متعددة ويختزن باطنها أسرارا أثرية كبيرة نظرا لتاريخها الغني وتعاقب حضارات متنوعة على أرضها، وتوالي فترات الاستيطان الحضري بالمدينة بصفة مستمرة وغير منقطعة وإلى يومنا هذا.
إن الطبقات تحت أرضية بالمدينة العتيقة لطنجة هي عبارة عن مستويات أركيولوجية متعاقبة تشهد على قدم المدينة المطلة على مضيق جبل طارق أو بحر الزقاق كما كان يسميه المؤرخون العرب. إن العديد من المواد الأثرية خزف، مواد بناء عناصر هندسية، عناصر زخرفية (…) التي عثر عليها خلال أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في أماكن متفرقة من المدينة والتي تم توثيق بعضها وتعرض بعضها الآخر للإهمال والإتلاف، تشهد على الزخم التاريخي والحضاري لمجالها الحضري. ومن
بين هذه البقايا الأثرية المكتشفة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر :
- فسيفساء “أورفي” الروماني التي عثر عليها سنة 1880 بطريق الصياغين بالقرب من موضع الكنيسة الإسبانية
- تمثال “سيدة طنجة الروماني الذي عثر عليه سنة 1935 بزنقة السمارين بالقرب من باب الفحص وهو تمثال كبير من الرخام الأبيض الصورة رقم (1).
- مقابر ما قبل الفترة الإسلامية التي عثر عليها بحدائق المندوبية
- بقايا معبد روماني بموضع المسجد الكبير
- طبقات أثرية غنية بالبقايا الخزفية اكتشفت مؤخرا إبان استبار أركيولوجي أنجز بصحن دار النيابة خلال عملية تأهيل وتثمين هذه المعلمة التاريخية.
وخلال الايام الأخيرة، في شهر دجنبر 2023 اكتشفت بقايا أثرية أثناء إنجاز أشغال الحفر لبناء أساسات بناية سكنية جديدة في الموضع الموجود بين باب العسة وضريح سيدي حسني مكان البناية القديمة التي كانت تسمى بمتحف الفن المعاصر لصاحبته الإسبانية «كارمن ماسين”.
ويتعلق الأمر ببقايا سور أثري الصورتين رقم (2 و (3) تبين بعد القيام بمقاربة تدقيقية أولية أنه يمثل جزء من سور أحد الحصون الدفاعية في الزاوية الجنوبية الغربية للقصبة والتي تم انشاؤها خلال الفترة البرتغالية من تاريخ مدينة طنجة. وقد اعتمدنا في هذه المقاربة على بعض التصاميم والرسوم المطبوعة القديمة التي تعود لنفس الفترة (الصور رقم 4 و 5 و 6 ).
إلا أن ما استغربنا له كجمعية تراث الساحل المتوسطي المغربي هو عدم اكتراث المسؤولين عن المشروع مالك السكن والمهندس والمقاولة بالأمر، بل وعدم قيامهم بالإجراءات اللازمة، كإخبار الجهات المعنية بهذا الاكتشاف حتى تقوم بتقييم هذا الإكتشاف واقتراح سبل المحافظة على البنيات الأثرية وإدماجها في المشروع. لقد استمر أصحاب المشروع في أشغال الحفر مما أدى إلى هدم أجزاء من السور بل وتم اتخاذه كقاعدة لوضع أساسات الخرسانة المسلحة للمنزل (الصورتين رقم 7 و 8).
وأمام هذا الوضع فإننا نرفض مثل هذا السلوك الغير السليم إزاء التراث الأركيولوجي الحضري لمدينة طنجة ونثير انتباه المصالح الإدارية المعنية بتدبير عمليات البناء داخل النسيج الحضري للمدينة العتيقة إلى الأهمية الأثرية لهذا الاكتشاف لما يوفره من معلومات مادية عن تاريخ طنجة. كما نلتمس من هذه المصالح ان تعمل على دراسة إمكانية تبني بعض الإجراءات الوقائية عند دراسة طلبات البناء مع احترام مقتضيات القانون 22-80 الفصل 46 من الجزء 7 المتعلق بأعمال الحفر والإستكشاف وذلك لضمان الإيقاف المؤقت لأشغال الحفر إذا ما تم العثور على بقايا أثرية، كيف ما كانت طبيعتها، لإعطاء الفرصة للسلطة المكلفة بالتراث الثقافي مع باقي الشركاء لاتخاذ ما يلزم من تدابير تدخل في نطاق الدراسة الأثرية والمحافظة والتوثيق واقتراح الحلول المناسبة.
وسنكون بذلك قد ساهمنا جميعا، كل من موقعه في دحض الاعتقاد الذي لا يزال راسخا لدى البعض من المهتمين بتاريخ طنجة ان هذه الأخيرة لم يكتب لنسيجها العتيق أن يحفظ بقايا أثرية تعود مثلا إلى فترة العصر الوسيط والسبب في ذلك يعود إلى كون الاحتلالين البرتغالي (1471-1661) والإنجليزي (1661-1684) عملا على تغيير وطمس كل ما كان يشكل نسيجها العمراني ومعالمها العمرانية ما بين القرن 8م والقرن 14م، وهي فترة لا يستهان بها من حيث المدة الزمنية مقارنة بفترتي الاحتلال البرتغالي والانجليزي.
وفي تقديرنا كجمعية تراث الساحل المتوسطي المغربي، يظل هذا الاعتقاد نسبيا، لأن ما ينقص ليس المعطى الأثري، بل القيام بأبحاث أثرية منهجية مؤطرة بمشاريع علمية منبثقة عن مؤسسات البحث الجامعي الوطنية أو الدولية أو بمشايع حفريات إنقاذ مواكبة لمشاريع التأهيل الحضري، مشاريع علمية تندرج في إطار الاركيولجيا الوقائية أو الإنقاذية، لأن طنجة لن تتوقف أبدا عن مفاجئتنا بالمعطيات الأثرية المادية حول تاريخها الغني والمتنوع.