طنجة تستعيد بريقها: ساحة فارو ونافورة ساحة فرنسا في حلة جديدة تُبهر الزوار (صور)
استفاقت مدينة طنجة، عروس الشمال، صباح يوم الجمعة على مشهد جديد يعيد إلى الذاكرة مجد المدينة التاريخي وسحرها الأوروبي-المغربي. فقد تم أخيرًا فتح فضاء ساحة فارو، المعروفة محليًا بـ”سور المعكازين”، وكذا نافورة ساحة فرنسا، في وجه العموم بعد أسابيع من أشغال التهيئة والترميم التي طالت هذين المعلمين الرمزيين. وتدفقت أعداد كبيرة من المواطنين من أبناء المدينة وزوارها، في مشهد احتفالي تلقائي، لاكتشاف اللمسة الجديدة التي أضفيت على المكانين والتقاط صور تؤرخ لهذه اللحظة المنتظرة.
عودة الحياة إلى “سور المعكازين”
ساحة فارو، أو كما يحب أبناء طنجة تسميتها بـ”سور المعكازين”، عرفت تحولا جذريًا من فضاء باهت فقد بريقه، إلى معلمة فنية وتراثية تفيض حياة. الجدران العتيقة تم ترميمها بعناية تحترم الطابع المعماري الأصلي، فيما أُضيفت إنارة ليلية مبهرة تُبرز التفاصيل التاريخية للسور. كما تمت تهيئة الأرصفة بمقاعد عصرية ممزوجة برخام وزليج مغربي، مع مساحات خضراء صغيرة تزيد الفضاء بهاءً.
في حديثه معنا، قال الأستاذ عبد اللطيف (58 سنة)، أحد سكان حي مرشان: “أنا من الناس اللي كانوا كيجلسو هنا فـ سور المعكازين منذ التسعينات، واليوم ما صدقتش المنظر. كلشي نقي، منظم، وكاين إحساس بالأمان. هادشي كيعني بزاف لينا كساكنة قديمة”.
أما وفاء (26 سنة)، طالبة بجامعة عبد المالك السعدي، فقالت وهي تلتقط صورًا مع صديقاتها قرب أحد المساحات الخضراء الجديدة: “الساحة ولات تستحق تكون وجهة سياحية فعلاً. كنحس براسي فواحد المدينة أوروبية ولكن بنكهة مغربية. كنتمنى يبقاو يحافظو عليها”.
نافورة ساحة فرنسا… إحياء لرمز المدينة
غير بعيد عن سور المعكازين، عرفت نافورة ساحة فرنسا تجديدًا لا يقل أهمية. هذه النافورة، التي لطالما شكلت نقطة التقاء بين وسط المدينة وشارع البوليڤار، استعادت إشراقتها بعد سنوات من الإهمال. أعيد تصميم محيطها بطريقة تسمح بمرور المشاة بانسيابية، وتم تركيب إنارة تفاعلية تتغير ألوانها حسب أوقات اليوم، فيما أعيد تفعيل نظام ضخ المياه بشكل مستمر بعد أن كان معطلاً لسنوات.
ليلى (34 سنة)، أم لطفلين، علّقت على التغيير قائلة: “درت دورة مع وليداتي، وصدقًا حسيت بواحد الراحة. حتى الأولاد فرحو بالنافورة ومنظرها، ما كانش ممكن هادشي من قبل حيت كان المكان مهمَل ولا منظر فيه”.
من جانبه، قال جمال الدين (42 سنة)، زائر من مدينة فاس: “جيت لطنجة بزاف فالسابق، ولكن اليوم شفت نافورة فرنسا بحلة ماعمرني تخيلتها. شكرًا للناس اللي خدمو باش يعطيو لطنجة المنظر اللي تستاهلو”.
الفن والذاكرة… في خدمة الفضاءات العمومية
وقد تميزت عملية التأهيل بالمزج بين المحافظة على الموروث التاريخي وتوظيف عناصر فنية معاصرة. حيث تم إدخال طابع يعكس ملامح من تاريخ طنجة المتوسطي.
حميد (63 سنة)، متقاعد وساكن بحي خوصافات، عبّر عن إعجابه قائلاً: “كاين احترام كبير للهوية ديال المكان، ماشي غير زواق والسلام. حافظو على الروح ديال الساحة، وحتى الكتابات فالبلاكات مزيانة وتقدر تفهم منها شحال من حاجة”.
بينما أبدت جيسيكا (29 سنة)، سائحة فرنسية تزور طنجة للمرة الأولى، إعجابها قائلة: “أنا هنا فإجازة، وبكل صراحة، هذا أجمل فضاء عمومي شفتو فالمغرب لحد الآن. خصوصًا السور، كيخليني نحس وكأني في مدينة تاريخية بحال لشبونة أو مارسيليا”.
مواطنون يطالبون بالاستمرارية والصيانة
رغم الحفاوة والإعجاب، شدد العديد من المواطنين على أهمية صيانة هذه الفضاءات بشكل دوري، حتى لا يتكرر سيناريو الإهمال الذي طالها لسنوات.
فؤاد (39 سنة)، صاحب مقهى قريب من ساحة فارو، قال: “الناس كيجيو، كيتفرجو وكيصورو، ولكن خاص البلدية تبقى دايما مراقبة. الصيانة اليومية ضرورية، خصوصًا من بعد ما شفنا كيفاش كيتهرسو الطروطورات بسرعة إذا ما كانش اهتمام”.
أما سناء (21 سنة)، طالبة في معهد الفنون التشكيلية بتطوان، فأشارت إلى جانب آخر قائلة: “نتمنى يتم تنظيم أنشطة فنية وثقافية هنا. المساحة كتحمل روح فنية وخصها تبقى حية، ماشي غير زينة ونهارين وسالينا”.
دعم ملكي ومجهودات محلية
جدير بالذكر أن مشروع تأهيل ساحة فارو ونافورة ساحة فرنسا يندرج ضمن برنامج أوسع لتثمين الفضاءات العمومية لمدينة طنجة، بدعم من ولاية طنجة تطوان الحسيمة، وبتنسيق بين جماعة طنجة وجهات أخرى.
وقد أكد مصدر مسؤول، فضل عدم ذكر اسمه، أن “التهيئة أخذت بعين الاعتبار خصوصية المكان وتطلعات الساكنة. المشروع لم يكن فقط إصلاحًا عمرانيًا، بل رؤية متكاملة لرد الاعتبار للمجال الحضري في بعده الثقافي والسياحي”.
في الختام… طنجة تنبعث من جديد
ما وقع اليوم بساحة فارو ونافورة ساحة فرنسا لم يكن مجرد افتتاح لفضائين عموميين، بل لحظة رمزية تعكس وعي المدينة بأهمية تراثها وهويتها. المواطنون، كبارًا وصغارًا، أبدوا اعتزازًا واضحًا، وصوتًا موحدًا: “نريد طنجة جميلة، لا ليوم واحد، بل على الدوام”.
وفي انتظار تكرار هذه النماذج في باقي أحياء المدينة ومشاريعها، تظل ساحة فارو ونافورة ساحة فرنسا شاهدة على قدرة طنجة على التجدد، وعلى عشق أبنائها لكل ما يعيد إليها وهجها وأصالتها.