هل تنقرض مهنة الصحفي ؟
هذا السؤال العنوان , مطروح للنقاش منذ سنوات , عقب موجة توحش منصات التواصل الاجتماعية , وتحولها إلى موجه للرأي العام و نقاشاته , و تحول سلطة الإخبار إليها , بكل عيوبها , لكن هذا ليس هو لب النقاش , في ساعتنا هذه , و أقول في ساعتنا هذه , لسبب وجيه هو السرعة الرهيبة التي أصبحت بها تتقلب التكنولوجيا الحديثة , ومعها كل المعايير , فالمقاييس التي على أساسها أقدم حكمي الشخصي هذا ومن خلال تجربتي الذاتية , قد تتغير بسرعة كبيرة جدا ومعها قد يصبح هذا الحكم غير سليم أو ناقص على الأقل , أعود إلى ساعتنا هذه , يمكن لأي شخص أن يفتح حسابا على منصة للتواصل , بشكل مجاني , ويبدأ في بث الأخبار كيف ما شاء و اتفق , كتابة و صوتا وحتى صوتا وصورة , بشكل مباشر أو غير مباشر , وبل حتى قد لا يكتفي بنشر الأخبار و والوقائع , بل قد يحللها و وبل قد يفبركها و يصنعها كما يشاء , وقد يجد قطيعا كاملا مستعدا لتصديقه ( مع الاعتذار عن استعمال كلمة القطيع هنا , فقط لأنها تؤدي التعبير المطلوب ) , دون أن يسأل أحد عن الإمكانات المعرفية و المدارك العلمية التي يمتلكها هذا الشخص , وبل قد يقوم هذا الشخص باختراع سيرة ذاتية مفبركة بالكامل , ويضع قبل اسمه صفة الدكتور , و لا أحدا سيبحث في مدى صحة ذلك , و ستنتشر و تنشر أقواله على المنصات على أنها حكم مفوهة , توضع بين معقوفتين , و أنها معلومات علمية لا يأتيها الباطل لا من خلفها و لا من ورائها , وبعضهم يضع قبل اسمه صفة المحلل و الخبير و … الصحفي … هذا هو الواقع اليوم , واقع يسائل مهنة الصحافة والصحافي التقليدية التي نعرفها جميعا , والتي قوامها شخص بتكوين معرفي معين , يقوم بمهنة الإخبار بعد التمحيص و التدقيق في المصادر و المعطيات , مهما كانت نوعية الإخبار الذي يتخصص فيه ( خبر , تحليل , ربورتاج , مقال … ) و مهما كان المجال ( سياسة , اقتصاد , مجتمع … ) , مهنة يؤديها في مقابل مادي معين في مؤسسة إعلامية معينة , إذن بهذه المعايير , هذه المهنة بهذا التوصيف فعلا انقرضت , فالآن الكل صحفي ( و بالمجان ) و على منصات ( مجانية ) , والمؤسسات ستقوم بتوظيف الذكاء الاصطناعي للقيام بالبقية , إذن فهل هي نهاية للمهنة ؟ , الجواب في الحقيقة ليس بهذه البساطة , فظاهريا فعلا مهنة الصحفي تموت , لكن قليلا من التبصر , يؤكد العكس , فقط ما سيقع حقيقة , هو تغيير جذري في مواصفات الصحفي المطلوب للمستقبل و المدارك العلمية والمعرفية المطلوبة فيه , الآن مطلوب صحافي , موسوعي المعرفة , و التكوين اللغوي , ولكن أكثر من كل هذا , صحافي متمكن من لغة العصر , لوغاريتمات الشبكات , و قدرة على الاستخدام الذي للذكاء الاصطناعي , صحافي قادر على تمحيص كم هائل من المعلومات في دقائق فقط باستعمال هذه الوسائل , لكشف الحقيقة ( الإبرة ) ضمن جبل هائل من تبن المعلومات و الأخبار الكاذبة و المفبركة , هذا هو الصحافي المطلوب لإنقاذ مهنة الصحافة , مطلوب صحافي ( سوبرمان ) , بتكوين مختلف و أكثر شمولية و قدرة مذهلة على التكيف السريع مع مختلف التغيرات التكنولوجية , هذه هي مواصفات الصحفي الجديد , و في الحقيقة , و أمام مد هذه المتغيرات , المؤسسات الإعلامية ذات الرؤية المستقبلية , بدأت منذ خمس سنوات على الأقل في البحث عن هذه المواصفات في تعاقداتها الجديدة , هذه المؤسسات هي وحدها من ستصمد أمام المستجدات الجارفة , البقية إلى زوال ومعها كل العهد القديم للصحافة , والسلام .
محمد الغول
mohamed_elghoul@hotmail.com