محمد الغول
تهادت صباح يوم صيفي ساخن ، في عرض بحر الزقاق ، مابين أعمدة هرقل، أبدان أربعة سفن شراعية ، تدفعها الرياح بهدوء نحو جزيرة صخرية ، تبعد أمتارا قليلة عن البر الإيبيري الرئيسي ، إلتفت السفن الشراعية بهدوء حول الجزيرة ، لتدخل الخليج المكون لميناء طبيعي ، تشكله الجزيرة الصخرية ، بإقترابها من البر الرئيسي ، هذا المشهد يعود لشهر رمضان الموافق لشهر يونيو من سنة 710 للميلاد .
بمجرد رسو السفن الأربعة ، بدأ عشرات الرجال ينزلون منها ويفرغون ماحوته من عتاد و خيول ، يبدو أن الأمر يتعلق بمقاتلين يكونون جيشا صغيرا ، رغم إختلاف اللغات التي تعطى بها أوامر الإنزال ، حيث تسمع أوامر بالأمازيغية ، العربية وكذا القوطية ، تمت عملية الإنزال بسرعة و دقة ، للعتاد العسكري للقوة المشكلة من حوالي 500 رجل ، 400 راجل ومئة فارس أرسلهم القائد الأموي على شمال إفريقيا موسى بن نصير، في عملية إستطلاع تحت قيادة أبو زرعة طريف بن مالك المعافري لعبور المضيق الفاصل مابين البر الإفريقي و البر الأوروبي ، حيث إنطلقوا من ثغر سبتة بمساعدة واليها القوطي جوليان ، الذي تحالف مع المسلمين القوة الجديدة التي تمكنت من فرض سيطرتها على شمال افريقيا ، وطردت منها البيزنطين ، كما تمكنت من إخضاع الأمازيغ الذين أصبحوا جزءا من القوة الجديدة.
قوة طريف كانت بمهمة إستخباراتية و إستطلاعية محدودة ، للتعرف عن قرب عن أوضاع الدولة القوطية و نقاط ضعفها وقوتها وجمع أكبر قدر من المعلومات .
هذه المعطيات و المعلومات التي على آساسها ، سيحدد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك في دمشق ، وقائده على شمال افريقيا موسى بن نصير ، موقفهم من الرأي الذي أشار عليهم به القائد الأمازيغي طارق بن زياد الوالي على منطقة طنجة ، بأن يستغلوا الأوضاع السياسية والإقتصادية الهشة للدولة القوطية ، ليعبروا المضيق لغزو الأراضي الأوروبية التي تقع شماله .
القائد الأمازيغي طارق بن زياد ، كانت تجمعه علاقات وثيقة بالقائد القوطي في ثغر سبتة جوليان ، هذا الأخير سعى لإقناع المسلمين عبر طارق ، بإتخاذ هذا القرار لغرض في نفسه ، هو الإنتقام لنفسه وملكه السابق “غيطشة “من الحاكم الجديد “رودريك ” ، جوليان أكد لطارق أن أنصار الملك السابق ، ومعهم اليهود مستعدين لتقديم كل الدعم لتحرك عسكري للمسلمين في إتجاه الشمال ، واعدا هو كذالك بتقديم الدعم اللوجستي ، وخاصة السفن التي سيعبر على متنها جيش المسلمين المضيق .
القادة المسلمون كانوا حذرين وغير واثقين من المعلومات التي يقدمها لهم حليفهم جوليان وخاصة أنهم كانوا يعلمون من طارق سعيه للإنتقام ، فتخوف موسى بن نصير أن يتم جره لمعركة خاسرة دون أن يعد لها جيدا ، و يكون مطلعا على مسرحها ، لهذا إختار إرسال قوة إستطلاع بقيادة طريف ، الذي تركناه ورجاله ينزلون عدتهم وينصبون خيامهم بجزيرة بالوماس .
على الجزيرة كان في إنتظارهم وفد يمثل أنصار وعائلة الملك السابق لشبه الجزيرة التي تعرف بهسبانيا ، ومعهم بعض الأحبار اليهود الذين إستقبلوا طريف بترحابى، مؤكدين أمامه إستعدادهم لتقديم كل الدعم لحملة عسكرية للمسلمين ، تقضي على ملك “رودريك” ، فوعدهم أبو زرعة طريف بن مالك المعافري خيرا ، وعاد لجنوده و مخيمه .
طريف قضى عدة أيام بعد ذالك ، يرسل فرقا صغيرة تجوب المنطقة من الجزيرة التي ستحمل إسمه طريف حتى الجزيرة الخضراء ، تراقب الأوضاع ، وتجمع المعلومات حول الوجود العسكري القوطي ، وتحصيناته في المنطقة ، قبل أن يعود مطمئنا إلى قائده موسى بن نصير مؤكدا له نجاح أي عمل عسكري للمسلمين .
بعد حصوله على موافقة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك ، قرر موسى بن نصير أن يبدأ الإعداد لإنزال عسكري ضخم على البر الشمالي للمضيق ، موسى كان يثق بالدربة العسكرية لقائده على طنجة طارق بن زياد ، كما كان يسعى للإستفادة من براعة وقوة المقاتلين الأمازيغ المتحمسين ، الذين إنضموا بالالاف لجيش المسلمين ، كما كان يسعى كذلك لتعزيز جسور الثقة معهم ، و طارق الأقدر على قيادتهم وتحقيق كل هذه الأهداف مجتمعة ، فقرر موسى أن يكون طارق بن زياد قائدا للإنزال العسكري ، و أن يكون المحاربون الأمازيغ عماد هذا الجيش.
طارق وبمجرد توصله بالأمر ، بدأ الإستعداد بمساعدة صديقه القائد الأمازيغي “منوسة “و جوليان قائد ثغر سبتة . جمع طارق جيشا قوامه أزيد من 10 آلاف رجل ، بينهم حوالي 300 مقاتل عرري ، توجه بهم إلى ثغر سبتة ، حيث كان جوليان قد أعد عشرات السفن لحمل هذا الجيش.
(يتبع)