محمد الغول
صباح يوم الاثنين 2 من شهر أبريل من سنة 711 للميلاد ، ركب طارق وجنوده البحر متجها شمالا ، وبوصلته الجبل الأخظر الداكن الماثل قبالته ، والذي قرر إتخاده قاعدة له ينزل به رجاله بعد دراسة جغرافية المنطقة ، وذالك لكون هذا الجبل يشكل حصنا طبيعيا منيعا يفصله عن البر الرئيسي البحر ، سيمنع عنه أي هجوم مفاجئ من القوطيين ، قبل إستكمال إنزال رجاله والإعداد الجيد للمعركة ، طارق ولمزيد من الحيطة والحذر ، أمر بتحصين الجبل وبناء الأسوار ، هذا الجبل سيحمل إسمه ليصبح مايعرف الآن ، بجبل طارق.
أكمل طارق إنزال جنوده ، وبدأ الإستعداد للمعركة ، يرسل مفارز صغيرة للإستقصاء ، ومعرفة تحركات جيش القوطيين ، وكذا لإحكام السيطرة على كل مناطق الساحل ، لتأمين قواعد جيشه و خطوط الإمداد عند توغله داخل الاراضي القوطية .
أرسل طارق قسما من جيشه بقيادة عبد الملك بن عامر ، متمركا على خط الساحل شمالا ، فدخل مدينة قارطجنة ، و أمنها تاركا مفارزا لحمايتها ، ثم عاد بقوته الرئيسية على الساحل جنوبا فدخل مدينة الجزيرة الخضراء .
في هذه الأثناء كان الملك القوطي روذريك ، متجها الى شمال مملكته بجيش ظخم ، في محاولة لإنهاء تمرد لمناطق الباسك ضده ، وكانت أخبار تحركات جيش طارق تصله ، لكنه لم يأبه لها خاصة أنه عرف من عيونه أن الجيش يتكون من الأمازيغ ، فإعتقد أنها واحدة من غاراتهم بحثا عن الغنائم ، وسيغادرون سريعا ، لكن توالي أخبار تحركات قوات طارق بمفارز مختلفة في المنطقة ، ودخولها مدنا والسيطرة على مناطق شاسعة ، ثم وصول أخبار بتحرك طارق بالجيش الرئيسي شمالا ، وإقترابه من الحاجز الجبلي ، الذي يعدا ممرا إجباريا شمالا نحو عاصمته طوليدو ، فبدأ القلق يساوره ، فقرر تغير وجهته و تجاهل تمرد الباسكين ضده مؤقتا ، وقفل عائدا بسرعة إلى طوليدو عاصمته ، حيث بدأ حشد قواته ، وأرسل قوة بقيادة إبن أخته ” بنشيو” لوقف زحف طارق بن زياد شمالا .
القوة القوطية بقيادة بنشيو إصطدمت بالجيش الأمازيغي الزاحف شمالا في موقع قريب من الجزيرة الخضراء ، ولم تدم المعركة إلا ساعات قليلة ، حتى قتل بنشيو فإنهزم من بقى من جنوده
هاربيين نحو الشمال .
روذريك وبعد أن وصلته أخبار مقتل ابن اخته وأخبار عزيمة الجيش القادم في إتجاهه ، توضح له الخطر فأرسل الى كل أقاليم مملكته ، بحشد الرجال لمعركة حاسمة ، فتدفق عليه في العاصمة ألاف الرجال ، حتى إجتمع له جيش تعداده 100 ألف مقاتل .
تحرك بهم رودريك سريعا ، جنوبا لملاقاة طارق و لإظهار الوحدة أمام العدو الخارجي ، وضع إثنين من أبناء الملك السابق “غيطشة “رغم العداء الواضح بينهم قوادا في جيشه ، فوضع “ششبرت” على ميمنة الجيش و “أبا “على ميسرته .
عيون طارق نقلت له تحرك هذا الحشد الهائل من المقاتلين لمواجهته ، فتخوف بسبب الفارق الكبير في العدد والعدة مابين الجيشين رغم ثقته في شجاعة جنوده ، فأرسل يخبر موسى بن نصير بالتطورات ، ويطلب منه المدد ، فأرسل له موسى على وجه السرعة خمسة الاف رجل يقودهم طريف بن مالك ، هذا الأخير الذي كان قد خبر الأرض بعد مغامرته السابقة بها ، فلما وصل طريف ورجاله ، آنس بهم طارق بن زياد ، وإستانف زحفه شمالا حتى وصل منطقة سهلية على بحيرة لاخندا التي يشكلها مرور نهر برباطي بهذا السهل، مشكلا منطقة مستقعات فقرر طارق العسكرة هناك على الضفة اليسرى للنهر، قرب قرية لاك ، حيث بدأ في تحميس رجاله للمعركة بما عرف عنه من روعة وبلاغة في الخطابة .
الجيش القوطي الظخم عسكر على الضفة اليمني لنهر برباطي قبالة جيش المسلمين و كان حشده الهائل مصدر قلق لرجال طارق ، لكنه تمكن من تحميسهم للمعركة والحرب ، و أعد خطة قوامها عدم المبادرة الى الهجوم ، وترك منطقة المستنقعات فاصلا بينه والعدو ، مع عدم الدفع بكل قواته إلى المعركة دفعة واحدة ، بعد أن تأكد له أن المعركة ستطول ولن تكون قصيرة .
صباح يوم الثامن والعشرين من شهر رمضان الموافق ل 19 من يونيو 711 للميلاد ، بدأت المعركة وكما توقع طارق ، بادر رودريك مغترا بقوته بعبور المستقعات في إتجاهه ، وهو ما سمح لرماة النبال الأمازيغ البارعين في التصويب ، بتوجيه ضربة قوية كلفت رودريك خسائر فادحة في الرجال قبل اصطدام الجيشين بشكل مباشر ، و أبلى رجال طارق البلاء الحسن ، مقاومين بشجاعة تدفق الحشد القوطي طيلة أربعة أيام كاملة ، دون أن يتمكن الفارق العددي من تحقيق أي تقدم في المعركة لفائدة القوطيين .
في اليوم الرابع ومع احتدام المعركة ، تفاجأ الملك رودريك بقائدي الميمنة والميسرة في جيشه ششبرت و أبا ، ينسحبان بفرسانهم وينظمون إلى جيش طارق ، تفيذا لإتفاق قديم كان قد رعاه جوليان القائد القوطي لثغر سبتة ، فلما وقع ذلك ، وهن جيش روذريك ، ورغم أنه صمد في المعركة ثلاثةأيام أخرى ، إلا أن كفة المعركة ، أصبحت تميل لجنود طارق ، وخاصة مع الفرار الجماعي للعبيد من جيش روذريك ، في اليوم الثامن للمعركة ، فر روذريك على فرسه عبر المستنقعات شمالا ، لينهزم جيشه بشكل كامل ، ويستسلم منهم الكثيرون ، ويفر أخرون كثيرون و بقيت ساحة المعركة ، تعج بالاف الجثث شاهدة على قسوتها وقوتها ، وحده جيش طارق فقد ثلاثة ألاف رجل ، في حين فقد القوطييون الالاف من الرجال ، وحصل رجال طارق على غنائم هائلة من معسكر روذريك ، الذي أمر طارق بالبحث عنه بعد نهاية المعركة ، لكن لم يعثر له على أثر فقط وجد فرسه تائها في المستنقعات ، و جزءا من ثيابه طافيا فوق مياه النهر ، فرجح طارق أن يكون روذريك سقط من فرسه أثناء فراره ، وغرق في مياه نهر برباطي .
سارع طارق بإرسال بشرى هذا الإنتصار الكبير إلى قائده موسى بن نصير ، طالبا منه مزيدا من الرجال لتعويض خسائره في المعركة ، لمواصلة الزحف شمالا والطريق أصبحت سالكة أمامه ، فكان أن عبر موسى بن نصير ، يقود قوة من آلاف الرجال ، ليلتحق بجيش طارق على ضفاف بحيرة لاخندا ، ليكمل الرجلان زحفهم شمالا فاتحين الحصون والمدن التي تساقطت أمامهم دون مقاومة تذكر أو بمقاومة ضعيفة و تلك حكاية أخرى نرويها .