بقلم محمد الغول
الزمن : شهر أكتوبر من سنة 1086
المكان : سهل فسيح على ضفة نهر بيرا شمال مدينة بطليوس حاليا المنطقة حدودية مابين اسبانيا والبرتغال.
المشهد : خيام على إمتداد البصر ومعسكر ظخم يعج بالرجال و الفرسان والجمال بتقاسيم مختلفة فيهم الأشقر و الأسمر و ألسن متعددة تسمع بينهم العربية و الأمازيغية والقشتالية ، إنه معسكر المسلمين ، الذي يتوزع مابين الأندلسيين بقيادة المعتمد إبن عباد ، والمغاربة بقيادة يوسف بن تاشفين .
في نفس السهل الفسيح ، وعلى مبعدة عند آخر مرمى البصر ، معسكر ظخم آخر يعود للقوات القشتالية ، و باقي الممالك المسيحية من شمال شبه الجزيرة الإيبيرية ، ومعهم فرسان ومقاتلون من مختلف الممالك و الإمارات الأوروبية المسيحية ، التابعة لسلطة البابا في روما ، يقودهم الملك القشتالي القوي ألفونسو السادس .
الفريقان يعدان لمعركة طاحنة ، وجحافلهم بالآلاف ، الرسل متبادلة مابين الفريقين لتحديد يوم المعركة ، على جري العادة في تلك الأيام ، وبعد مشاورات وتبادل للرسل ، تم الإتفاق على يوم الإثنين كموعد للمعركة .
بعد الإتفاق على تاريخ المعركة ، عقد القادة المسلمون من الأندلسيين و المرابطين المغاربة إجتماعا للقيادة العسكرية في خيمة يوسف بن تاشفين للتخطيط للمعركة .
أثناء المشاورات ، أخبر المعتمد إبن عباد يوسف إبن تاشفين بشكوكه من كون ألفونسو السادس يضمر الغدر ، وإختياره الإثنين موعدا للمعركة لا يمكن الوثوق به ، فأمن ابن تاشفين على قول إبن عباد ، و طلب منه أن يتخذ الحيطة والحذر ، كما طلب من كل قواد الجيش أن يكونوا مستعدين للمعركة في أي وقت ، و أن لا يتراخو ، مكلفا فرقا خاصة من الأندلسيين من رجال المعتمد ، خبراء بالمنطقة وخباياها بالتسلل الى معسكر القشتاليين والتجسس عليهم لمعرفة نواياهم الحقيقية .
إنطلقت فرق الإستكطاع لمهامها ، و بدأت الجيوش الإعداد للمعركة ، إبن تاشفين أعد خطة قوامها أن يكون صدر الجيش من قوات الأندلسيين بقيادة المعتمد إبن عباد ، يحميهم من الجانب قوة قوامها حوالي عشرة آلاف رجل من الفرسان المغاربة ، يقودهم داود بن عائشة في حين أخفى يوسف ابن تاشفين قوة من جيشه يقودها شخصيا وراء هضاب في المنطقة عن عيون القشتاليين ، متخدا منها قوة إحتياط ، تتكون من حرسه الشخصي ، وتعداده حوالي أربعة آلاف رجل ، إظافة إلى قوة إحتياط من راكبي الجمال .
في ساعات مبكرة من صباح الجمعة 23 من شهر أكتوبر 1086 ، وصلت رسل إلى خيمة يوسف إبن تاشفين، تخبره بأن فرق الإستطلاع لديها معلومات مؤكدة بأن القشتاليين ينون الهجوم في ذات اليوم لمفاجأة المسلمين بإعتبار يوم الجمعة يوم إنشغال بالصلاة ، فأمر إبن تاشفين بالإستعدادا فلما توضحت الصورة صباحا للفريقيين ، تفاجأ ألفونسو السادس بأن المسلمين مستعدين للمعركة ، ولم يؤخدوا على غرة ، لكنه مع ذالك لم يتراجع وقرر الهجوم ، معتمدا خطة قوامها الضغط بجزء كبير من قواته على صدر جيش المسلمين وقوات المعتمد إبن عباد معتبرا أن إنهزام قوات الأندلسيين سيقصم جيش المسلميين بالكامل ، لأن المغاربة غرباء عن الأرض و جائوا لنصرة أهل الأرض الاندلسيين .
ألفونسو السادس ، أمر الجزء الأكبر من قواته ، يقوده كل من الكونت غارسيا والكونت روذريك بمهاجمة قوات المعتمد ابن عباد ، فتدفقت جحافل ضخمة من القشتاليين ، في إتجاه قوات المعتمد إبن عباد ، ولكن قوة الفرسان المرابطيبن بقيادة داود ، إعترضت طريقهم أولا وإصطدمت بهم بعنف ، ورغم قلة عددهم إلا أن قوة داود بن عائشة من الفرسان ، تمكنت من كسر الموجة الأولى من الهجوم القشتالي ، مستعينة برماة النبال المتمرسين ، وأعادتهم إلى معسكرهم ، لكنهم تكبدوا خسائر فادحة في صفوفهم ، في هذا الوقت كانت الموجة الثانية من القشتاليين ، تضغط بقوة على قوات المعتمد إبن عباد الذي أثبت قوة في الصمود ورجاله امام زحف جحافل القشتاليين ، لكن هذا الصمود لم يكن موحدا في صفوف الأندلسيين حيث و أمام ضغط القشتاليين المتواصل ، بدأ رجال باقي ملوك الطوائف الأندلسية في التقهقر ، قبل ان يفروا منسحبين إلى مدينة بطليوس ، ليحتموا بها ، على عكس إبن عباد ورجاله الذين صمدوا في المواجهة ، رغم أن القوات القشالية كانت قد أحاطت بهم بشكل كامل ، وكذالك صمد داود وقواته من الفرسان المغاربة ، وأمام قوة الهجوم القشتالي ، أرسل المعتمد ، يستنجد إبن تاشفين ، الذي كان لازال مستترا بقواته الخاصة وقوات الإحتياط ، يراقب آطوار المعركة فأرسل إبن تاشفين أقوى فرقه ورجاله ، يقودهم مسير بن أبي بكر ، فإقتحمت صفوف القشتاليين ببسالة ، حتى تمكنت من كسر الحصار على قوات إبن عباد و إلتحقت به في المعركة ، فإشتد عزم إبن عباد ورجاله وزادوا من ثباتهم .
ألفونسو الثالث لما رأى ثبات قوات الأندلسيين بقيادة إبن عباد ، و ثبات المرابطيين بقيادة داود إبن عائشة ،غير خطته من الضغط على الأندلسيين الى الضغط على المرابطيين ، وزاد من عدد رجاله في هجومهم على معسكر المرابطين، ضاغطا بقوة على فرسان داود بن عائشة حتى تمكن القشتاليون من تجاوز الخندق الذي أقامه المرابطون المغاربة ، لحماية معسكرهم وأصبحوا قاب قوسين من إقتحام المعسكر .
عند هذه اللحظة ، إعتبر إبن تاشفين بأن تحركه بقواته الخاصة ، أصبح مناسبا فزحف بحرسه الخاص المكون من راكبي الجمال من الخلف ، مقتحما مخيم القشتاليين ، وقتل كل من وجده في طريقه محرقا الخيام ، جمال المرابطين أرعبت خيول القشتاليين وفرسانهم الذين لا سابق عهد لهم برؤيتها و قتالها ، فلم علم ألفونسو بما حدث في معسكره ، تراجع محاولا إنقاذ ما يمكن إنقاذه فإنتبه ابن عباد لإنسحاب ألفونسو ، وتأكد له بأن خطته و إبن تاشفين قد نجحت فحث رجاله على مطاردة قوات القشتاليين المتراجعة ، قوة الاقتحام للمرابطين التي يقودها مسير بن أبي بكر نفذت اختراقا وسط صفوف القشتاليين ، و في تلك الأثناء كذلك ، إقتحم حوالي أربعة الاف من الحرس الخاص لإبن تاشفين المعركة مطبقين على الجيش القشتالي بشكل كامل ، وتقدم أحد عناصر الحرس الخاص لإبن تاشفين ببسالة ، مخترقا الصفوف حتى قلب جيش القشتالين ، وطعن ألفونسو مصيبا اياه إصابة خطيرة على مستوى الفخذ ، فتأكد لألفونسو وقواده أن الهزيمة لا مفر منها ففر و عدد قليل من رجال وحرسه لم يتجاوز300 رجل في اتجاه الجبال ، وهو الذي دخل الحرب بما يزيد عن 60 ألف رجل ، فكانت هزيمة عظيمة للقشتاليين و إنتصارا كبيرا للجيش الإسلامي الأندلسي المغربي .
المعركة لم تدم إلا يوما واحدا رغم ضخامة أعداد المشاركيين فيها من قوات القشتاليين و المسلميين ، قاد بعدها إبن تاشفين قواته المنتصرة ، إلى ديار إبن عباد بإشبلية ، حيث أقيمت إحتفالات كبيرة ، إحتفالا بهذا النصر العظيم ، بعدما كان القشتاليون على وشك سحق ممالك الطوائف المسلمين في الأندلس بسبب تفرقهم ، حتى أن ألفونسو كان قدفرض عليهم الجزية وإحتل طليطلة ويحاصر سرقسطة ، بل بلغ من عربدة قوات ألفونسو أنها وصلت إلى طريف ( طريفة ) على مضيق جبل طارق ، محاولا قطع الطريق على أي عبور للمغاربة لنصرة الأندلسيين والإستفراد بهم بشكل كامل ، بعد ثلاثة أيام من الإحتفالات بنصر الزلاقة أو ساغراخاس بالإسبانية ، جمع إبن تاشفين ملوك الأندلس ، وحثهم على الوحدة و رص قوتهم في مواجهة القشتاليين ، فكان أن عاهدوه على ذلك ، فترك إبن تاشفين قوة من جيشه ، يقودها أبي عبد الله بن الحاج ، قوامها ثلاثة آلاف رجل دعما للمعتمد إبن عباد بإشبلية وتحت إمرته ، و قفل عائدا إلى. المغرب لمواجهة تطورات مقلقة هناك ، بعد ورود خبر وفاة إبنه أبي بكر ، إبن تاشفين ترك القسم الأكبر من قواته بقيادة سير بن ابي بكر في قاعدته الخلفية بالجزيرة الخضراء ، التي تنازل عنها إبن عباد للمرابطيين ، فحصنوها وجعلوها قاعدة منيعة لجيشهم الأندلسي .
إبن تاشفين عاد الى مراكش ، وأعاد تنظيم الأمور وقبض زمامها في حين في الأندلس ما لبث أن ضعفت آحوال المسلمين بسبب الخلافات مابين ملوك الطوائف ، و إستعانة بعضهم بالقشتاليين ضد بعضهم الآخر ، فعاد الخطر القشتالي يطل برأسه ، حيث أعاد ألفونسو السادس تجميع قوته وقواته ، فما كان من إبن تاشفين إلا التفكير في العودة مرة أخرى إلى عدوة الاندلس لحسم أمورها وتلك حكاية أخرى نرويها .