بقلم محمد الغول
مع إشرافة العام 1662 للميلاد ، كانت مدينة طنجة واقعة تحت الإحتلال البرتغالي ، الذي ضحى بالكثير في سبيل إحتلال المدينة ، حيث قام بمجهود حربي كبير من أجل ذالك ، ورغم أنهم إنهزموا هزيمة نكراء بالمدينة على يد المرينين ، إلا انهم وبمجرد أن أحسوا بضعف الدولة المرينية ، حتى أعادوا الكرة ، وتمكنوا من دخول المدينة وهو ما جعلها تفقد زخمها الديموغرافي بسب مغادرة الساكنة المسلمة لها ، فحولها البرتغاليون إلى ما يشبه ثكنة عسكرية كبيرة ، رغم أنهم تسامحوا مع وجود المغاربة في الجوار في محاولة لتجنب ثورتهم ، إلا أن ذالك لم يخفف من توتر العلاقة بينهم ، كما أن المدينة كانت موقعا للتوتر في العلاقات الإسبانية البرتغالية ، بعد إنقسام المملكتين ، فحاولت كل قوة منهما الإستفراد بها ، لموقعها الجغرافي الذي يسمح بإحكام السيطرة على مضيق جبل طارق الاستراتيجي ، كما أن الخوف من عودة المسلمين لعبور المضيق لإستعادة الأندلس ، ظل دائما هاجسا مؤرقا للسلطة في اسبانيا، و لهذا عمدت إلى إحتلال موانئ الشمال المغربي لمنع ذلك ومن أهم هذه الموانئ ميناء طنجة .
هذه السنة 1662 للميلاد ، حدث تطور في صراع القوة حول المدينة ، عندما وقعت مصاهرة ملكية مابين القوة البريطانية الصاعدة و القوة البرتغالية ، حيث تزوج الملك البريطاني تشارلز الثاني بالأميرة البرتغالية كاثرين ، وكان من ضمن مهر الأميرة منح البرتغال مدينة طنجة للإنجليز ، فسارع تشارلز الثاني بإرسال قواته الى المدينة ، لتنتقل بذلك من الإحتلال البرتغالي الى الإنجليزي .
الإنجليز ونضرا لتوجههم البحري بهدف بناء قوة بحرية عالمية ، كانوا يقدرون قيمة مدينة طنجة فقاموا بإعادة إحياء الميناء الاسلامي للمدينة ، كمابنوا حاجزا جديدا للميناء ، منحه طابع ميناء تجاري كبير ، وقاموا بإعادة تحصين أسوار المدينة لحمايتها من الهجمات المتكررة للقبائل الجبلية والريفية عليها .
تقديرت الإنجليز المتفائلة بتحويل طنجة إلى قاعدة دولية لإسطولهم التجاري والحربي ، وإحكام السيطرة على مضيق جبل طارق ، إصطدم بتصاعد زخم المقاومة المغربية ، حيث تحول الإنجليز إلى محاصرين داخل أسوار المدينة ، وحتى الوصول إلى الميناء من أجل تسلم الإمدادات الغدائية وغيرها ، كان يحتاج منهم إستعمال أنفاق ظخمة تربط قلب المدينة بالميناء تحت الهضبة التي بنيت عليها طنجة .
الإنجليز إستماتوا رغم ذلك في الدفاع عن تواجدهم بطنجة ، نضرا لأهميتها الإستراتيجية ، في حين كانت قبائل الشمال المغربي ، تتنافس فيما يينها في تنفيذ الغارات على المدينة القبائل ، الجبلية بقيادة الخدير غيلان ، والقبائل الريفية بقيادة القائد أحمد الريفي ، القبائل الجبلية كانت تعسكر غرب المدينة ، في حين تعسكر شرقها القبائل الريفية ، إضافة الى مجموعات من المجاهدين من قبائل من داخل المغرب ، أرسلها السلطان المولى إسماعيل لدعم المجهود الحربي ضد الإنجليز ، فقد كان السلطان عازما على تحرير المدينة مهما كلف الأمر ، لتقديره كذلك لأهميتها الإستراتيجية و العسكرية ، لكنه كان متخوفا من تمرد القائد الطموح الخدير غيلان ورغبته في الإستفراد بالمدينة ، فأرسل السلطان رسله إلى القبائل الريفية المعروفة بشدتها وتمرسها في القتال ، يغريها بإعلان الجهاد ضد الإنحليز ، فإستجاب لندائه آلاف المقاتلين الريفيين ، الذين جعلوا مع أشقائهم من القبائل الجبلية حياة الإنجليز في طنجة ، تتحول الى جحيم حقيقي .
العرش البريطاني وفي محاولة منه لإستعادة السيطرة على الوضع ، عين قائدا جديدا لقواته في طنجة وذلك سنة 1860 للميلاد ، هو السير “فايربورن بليمز”، هذا القائد إضافة إلى شهرته العسكرية في الجيش الإنجليزي ، تميز بأنه عاش مدة طويلة من عمره بطنجة قدرت ب 17 عاما الوضع العسكري للمدينة بكل خباياه كما يعرف المحيط السكاني للمدينة فتولى السير بليمز بمجر، مطلع جيدا على الوضع العسكري للمدينة ، وبمجرد وصوله إليها لقيادة جهود الدفاع عنها ، أمر بإعادة تحصين الأسوار المحيطة بالمدينة ، المتضررة بضرواة الهجمات المغربية ، و مغترا بقوته محميا بالمدفعية المتمركزة في أبراج منتشرة فوق أسوار المدينة ، غامر القائد الإنجليزي بقواته خارج المدينة لمطاردة المقاتلين المغاربة في محيطها ، متمكنا من زحزحتهم عن مواقعهم وإبعادهم عن المحيط المباشر لأسوار المدينة ، لكنه خارج أسوار المدينة أصبح مكشوف تحت رحمة الضربات الخاطفة والكمائن التي ينصبها المقاتلون المغاربة ، حيث نشبت معارك قوية ، إستمرت حوالي الشهرين شتنبر و أكتوبر ، خلال إحدى هذه المعارك أصابت رصاصة مغربية السير بليمز ، فسحبه رجاله إلى داخل المدينة لتلقي العلاج ، لكنه سرعان ما فارق الحياة متأثرا بإصابته الخطيرة ، الامر الذي ضعضع مقاومة القوات الإنجليزية ، التي تراجعت تحت ضغط المقاتلين المغاربة ، الذين تمكنوا من فرض حصار كامل محكم على المدينة ، المحتمي وراء أسوارها الانجليز يصدون الهجمات عنها ، هذا الحصار إستمر حوالي ثلاث سنوات ولم يمنع المغاربة من دخول المدينة والتأخر في ذلك إلا التنافس حول من يدخلها أولا ، في حين كان الإنجليز مقتنعين بإستحالة بقائهم في المدينة و دفاعهم عنها ، حيث كانوا يخططون لمغادرتها في أقرب وقت وبأقل قدر من الخسائر ، فعليا بدأو يستعدون لذلك مع بزوغ سنة 1684 للميلاد ، و فطن لذلك القائد الخدير غيلان ، عندما تابع رسو الأسطول الإنجليزي بميناء المدينة فإستغل إنسحاب القوات الإنجليزية من المدينة ، بشكل متسرع تحت غطاء من التفجيرات ، حيث قام الإنجليز بتفخيخ عدد من أبراج المدينة وكذا الحاجز الجديد للميناء ، وقاموا بتفجيره قبل الإنسحاب بحرا ، فدخل القائد الخدير غيلان المدينة برجاله من أسفلها من جهة الميناء ، عندما علم بذلك السلطان المولى اسماعيل ، أرسل يحث القائد أحمد الريفي على دخول المدينة برجاله ، وطرد غيلان منها ، الأمر الذي كان يعني معركة مابين الرجلين اللذين تنافسا على تحرير المدينة من الإنجليز ، وهي المعركة التي إنتهت بانهزام الخدير غيلان ، وتعيين السلطان المولى اسماعيل القائد أحمد الريفي واليا على المدينة ، وأمره بإصلاح ماخربه الإنجليز وإعادة تحصين المدينة فشهدت المدينة أخيرا هدوءا وانتعاشا إقتصاديا مهما ،كما عادت إليها ساكنتها ،لكن الأطماع الإستعمارية بالمدينة لم تنتهي وتلك حكاية أخرى نرويها .