بقلم محمد الغول
الهدوء الذي شهدته المنطقة بعد إنسحاب الجيش الفرنسي إلى شرق واد كيس، لم يخدع اليزناسيين الذين كانوا يعلمون أن هذه القوات ستعود من جديد ، عندما يستتب لها الأمر في الجزائر بشكل كامل بعد قضائها على المقاومة الجزائرية ، ولن تعدم المبررات لذلك.
قبائل بني ي ناسن وإستعدادا لهذا اليوم القريب ، قررت وضع خلافاتها جانبا ، داعية إلى إجتماع عام لآعيانها بصفرو بتاريخ 18 من شهر يوليوز 1856 ، تم خلاله إعلان توحيد الجهود لمواجهة الأطماع الإستعمارية ، منتخبة واحدا من أشجع آبنائها ، وأقدرهم على القيادة ، سليل أشهر الأسر اليزناسية ، التي يجمعون حول أحقيتها بالقيادة ، ويتعلق الأمر بالحاج ميمون بن البشير بن مسعود الوريمشي ، الذي عقد له اليزناسيون في هذا الإجتماع راية الجهاد .
الحاج ميمون بمجرد تسلمه مهام قيادة اليزناسيين ،بدأ يعد عدته للمواجهة ، فتمكن من جمع عدد مهم من المقاتليين الأشداء ، تجاوز عددهم 10 آلاف رجل ، من مختلف فروع قبيلة بني يزناسن و أرسل بتاريخ شهر نونبر 1856 تحذيرا مباشرا للفرنسيين ، مهاجما فرق المراقبة للفرنسيين في منطقة مصب واد كيس ، مكبدا إياها خسائر قبل أن ينسحب برجاله ، إلى قواعده الخلفية في مرتفعات تافوغالت الحصينة .
واصلت قوات اليزناسيين بقيادة الحاج ميمون ، توجيه الضربات الخاطفة والقوية للقوات الفرنسية و تكبيدهم خسائر مهمة ، في كل من ازوية وسيدي زاهر و في تيولي و ذلك على طول سنة 1859 .
أمام توالي الضربات وقوتها ، بدأ القلق يساور القادة الفرنسيين ، خوفا من توسع المقاومة وإنضمام قبائل أخرى لليزناسيين فبدأت في حشد قواتها و منحت القيادة للجنرال مارتمبري وبلغ عديد الجيش الفرنسي الذي تم حشده حوالي 15 ألف جندي بتسليح ثقيل من المدفيعية وبينهم حوالي خمسة آلاف فارس ، حشد هذه القوات في منطقة مصب واد كيس أحفير حاليا ، إستمر حوالي الشهرين شتنبر و أكتوبر من سنة 1859
الجنرال مارتمبري ، بدأ زحفه قاصدا قرية محمد أوبركان بداية من يوم 27 أكتوبر 1859 ، و هي منطقة مدينة بركان حاليا ، عبر طريق تاكمة ، حيث تقدمت القوات الفرنسية تحت رصاص اليزناسيين ، متكبدة جراء ذلك خسائر مهمة ، تنضاف إلى الخسائر التي خلفها في صفوفهم داء الكوليرا ، لكن زحف القوات الفرنسية إستمر ، و تراجع أمامهم المقاومون اليزناسيون إلى الجبال تحت ضغط المدفعية ،محتمين بالمرتفعات ، صمد اليزناسيون حتى نفذت منهم الذخيرة رغم القصف الهائل للمدفعية الفرنسية ، وحتى عندما نفذت الذخيرة لجئ اليزناسيون لزحزحة الصخور من المرتفعات في إتجاه الجنود الفرنسيين المتقدميين ، لكن قوة نيران المدفعية مكنتهم في النهاية ورغم صمود وشجاعة مقاتلي بني يزناسن ، مكنتهم من إقتحام المنطقة الجبلية ، حيث دخلوا معقل اليزناسيين في تافوغالت بتاريخ يوم 29 من شهر أكتوبر من سنة 1859 .
أمام هذا الوضع لم يجد اليزناسيون بدا من القبول بالتفاوض مع الجنرال مارتمبري ، حيث قبل الحاج ميمون لقائه بتاريخ 30 من شهر أكتوبر 1859 ، وتم الإتفاق على وقف اإلاق النار وفق شروط مجحفة ، غرامة بمئة فرنك عن كل مقاتل يزناسي ، الذين قدرهم الفرنسيون عددهم ب 12 ألف مقاتل ، كما فرضوا على أعيان اليزناسيين ، تسليم 13 منهم ليكونوا رهائن لدى الفرنسيين بمدينة تلمسان ، لضمان عدم عودتهم لحمل السلاح مرة أخرى ، و بقي الجنرال مارتمبري بقواته في تافوغالت حتى الرابع من شهر نونبر 1859 ، قبل أن يتحرك بقواته جنوبا نحو قصبة العيون لقمع قبائل لمهاية و أنكاد و الزكارة ، الذين إنسحبوا بعوائلهم وماشيتهم ، إلى الهضاب العليا بعد مناوشات مع القوات الفرنسية المتقدمة ، قبل أن يقبلوا بالتفاوض في ظل الوضع الجديد الذي فرضه الفرنسيون بإسكاتهم مقاومة اليزناسيين ، ففرض عليهم الجنرال مارتمبري غرامة فادحة بحوالي 40 ألف فرنك فرنسي ، قبل أن ينسحب بقواته إلى شرق واد كيس بتاريخ 11 من شهر نونبر 1859 ، لكنه إحتفظ بموقع كيس ، أحفير حاليا ، مبررا ذلك بمراقبة تطبيق القبائل للإتفاقات الموقعة ، هذا الوضع الجديد سيستمر بضع سنوات ، قبل أن تعاو قبائل بني يزناسن حمل السلاح لمقاومة الاستعمار الفرنسي ، وذلك بعد دخولهم مدينة وجدة سنة 1907 ، وتلك حكاية أخرى نرويها .