بقلم محمد الغول
صباح يوم 29 من شهر مارس من سنة 1907 للميلاد ، دخلت القوات الفرنسية قادمة من جهة الشرق ، و لم يجدوا في طريقهم أي مقاومة تذكر ، على عكس ما توقعوا تماما ، بعد معاركهم المريرة مع قبائل جهة الشرق من أهل أنكاد وبني يزناسن ، تكبدوا فيها خسائر مهمة رغم فارق العدة والعتاد ، لهذا كانت مفاجأة القادة الفرنسيين المتقدمين عبر سهول أنكاد عظيمة ، لا أحدا من قبائل المنطقة ، يعترض طريقهم ، إقترابو من وجدة ، ليجدوا أبوابها مفتوحة مشرعة أمامهم ، وإذا كانوا قد إبتلعوا عدم مقاومة الحامية المخزنية ، فهم لم يبتلعوا الإستسلام الذي أبدته قبائل أنكاد وهم يمرون بآراضيها في طريقهم نحو وجدة .
القادة الفرنسيون ظنوا بالأمر الظنون ، معتقدين أنهم يساقون إلى فخ ، لهذا كانوا يتقدمون بحذر والعيون وعناصر الإستطلاع أمامهم ، وكم كانت مفاجأتهم أعظم وهم يدخلون وجدة عبر بواباتها المشرعة ، إستقبال بعض أهل المدينة لهم بترحاب غريب ، كأن ليس بينهم سنوات حرب وكر وفر وكأنهم لايعلمون بأن مايقع إحتلال لأرضهم سيشمل باقي المغرب قريبا.
الواقع البئيس الذي كانت تعيشه المدينة، يوضح غرابة ماوقع ، سرعن ماسيكتشف الفرنسيون ، أنهم يدخلون مدينة شبح ، مدينة الساكنة الباقية فيها ، يتناهبها الجوع والمرض ، الحامية العسكرية المخزنية بها توجد في حالة مروعة من نقص السلاح و الزاد و غياب الخيول التي نفقت و بيعت وحتى أكلت لمواجهة الجوع ، الذي إجتاح المدينة وحولها الى شبح مدينة بعدما كانت زاخرة وزاهرة بالتجارة ،وعاصمة إرتباط مابين الشرق والغرب ، وطريقا للقوافل التجارية ، أضحت أزقتها تعج بالأوساخ و الفقر والمرض والجيف ، هذا الواقع البئيس فسر للفرنسيين كيف فتحت لهم المدينة أذرعها بهذا الخنوع والاستسلام ، وهي التي كانت عاصمة المقاومة الشرقية لسنوات طويلة بعد هزيمة إيسلي .
الفرنسيون كانوا شديدي الفرح خاصة الجنود ، الذين إعتبروا أن إحتلال المغرب بهذا الوضع ، سيكون نزهة ، وذهبت عنهم مخاوفهم وهواجسهم ، التي كانت تحدثهم بقتال شرس ومعارك ظارية سيتركون فيها جلدهم قبل روحهم .
قبل ثلاثة آيام من دخول القوات الفرنسية لمدينة وجدة ، كانت السلطات الفرنسية تبحث في كيفية تحويل آحداث شهدتها مدينة مراكش إلى مبرر ، تدخل وجدة تحت غطائه فكيف ذلك ؟
بمدينة مراكش وقبل سنوات كان قد إستقر بضعة فرنسيين تحت مبررات مختلفة ، من بينهم طبيب عرف بين المراكشيين بإسم موشان ، ذاع صيته في المدينة بتقديمه العلاجات العصرية والأدوية الناجعة مجانا ، وسرعان ماحول بيته الى مستوصف ، قبل أن يحوله إلى مستشفى بتمويل من السلطات الفرنسية ، باشا مدينة مراكش آنذاك وحتى السلطات المخزنية ، كانت تعرف وتعلم بحقيقة وجود هذا الطبيب الفرنسي بالمدينة وغيره من الفرنسيين ، وأن كل أعمالهم العلمية والخيرية هي مجرد غطاء لأعمال التجسس و التعرف على كل ما قد يساعد بلدهم فرنسا في مخططاتها لإحتلال المغرب ، لكنهم كانوا عاجزين عن فعل أي شيئ ، خوفا من إجترار غضب فرنسا ، التي تبحث عن أي ذريعة لإكمال مخططها الإستعماري.
(يتبع)