بقلم محمد الغول
الطبيب الفرنسي وأمام إحساسه بالقوة أمام سلطات المدينة ، مستعينا بقنصل بلاده في الصويرة ، كان يستفز بتصرفاته المواطنين المغاربة ، ممعنا في ذلك حتى أنه قام بنصب جهاز لاسلكي فوق سطح بناية المستشفى الذي يقيم به كذلك لكي يمارس مهام التجسس و التواصل مع القيادة الفرنسية علانية ، و زاد بأن رفع علم بلاده فوق البناية ، فإستنفر ذلك عددا من المواطنين بمراكش ، فكان بتاريخ 26 من شهر مارس من سنة 1907 ، أن هاجمه عدد منهم مسلحين بالهروات وأشبعوه ضربا وتركوه جثة هامدة عند بوابة المستشفى .
الخبر هاج له وماج القناصلة الفرنسيون بالصويرة وبعدها بطنجة ، متوعدين السلطات المغربية بالويل والثبور ، محملين إياها مسئولية مقتل مواطنهم ، في حين كان باشا مراكش عامل السلطان المولى عبد العزيز عليها الحاج عبد السلام الورزازي ، يحاول إعادة الهدوء إلى المدينة التي كانت تموج غاضبة ، يمكن إعتبارها كانت خارج السيطرة تماما ، حيث قام بنشر جنوده في المدينة و أشرف شخصيا على جنازة الطبب الفرنسي بحضور أعضاء الجاليات الأجنبية في المدينة في محاولة منه لإستباق غضب الفرنسيين ، وبالتالي غضب السلطان عليه لكن الفرنسين كان لهم رأي أخر ، رغم أن عددا من وجهاء المدينة كان يعتبر مقتل الطبيب موشان مدبرا من طرف فرنسا و أعوانها ، لإيجاد عذر مقبول لإجتياح قواتها المغرب ، حيث و بعدها بثلاثة أيام دخلت القوات الفرنسية وجدة ، دون أي مقاومة . ، في حين ذهب كثير من المؤرخين لهذه الأحداث إلى إعتبار مقتل الطبيب موشان ، نتيجة طبيعية للإستفزازت ، التي كان يقوم بها و الأجانب على العموم للمغاربة ، محتمين بالسلطات الواسعة التي أصبحت للقناصلة الأجانب في المغرب ، حتى أنهم كانوا يتاجرون بها أي الحماية ، يبيعونها بمبالغ طائلة للتجار المغاربة الأغنياء ، خاصة اليهود منهم ، الذين كانوا يسارعون لها تخوفا من أوضاع الفوضى العامة ، التي إجتاحت المغرب في هذه المرحلة ، مع غياب سلطة مركزية قوية وإنتشار السرقة والنهب والقتل دون حسيب أو رقيب .
القوات الفرنسية إستقرت بمدينة وجدة بعد دخولها ، رافضة مغادرتها إلا بعد القصاص لمواطنها و رد الإعتبار لها وتعويضها ، فإستسلم السلطان للضغوط الفرنسية ، وأمر عامله على مراكش بإيقاف الفاعلين ، الأخير شن حملة توقيفات عشوائية بسبب صعوبة التعرف على هوية من تورط فعلا في مقتل الطبيب الفرنسي في ظل اوضاع الفوضى العارمة التي تعرفها المدينة .
ممثلوا فرنسا من القناصلة خاصة قنصل الصويرة ، رفض الأمر مطالبا بالتحقيق من طرف وفد فرنسي حل بمراكش ، إستقبلهم الحاج الورزازي بترحاب مبالغ فيه ، وأكرمهم بالطعام والشراب والمقام الطيب ، لكنهم أعرضوا عن ذلك ، وبدؤا بالتحقيق معه شخصيا ، حيث كانوا يشكون بأن له يد في مقتل الطبيب موشان ، ثم إنتقلوا بعد ذلك للتحقيق مع مسئولين ومواطنين ، قبل أن يطالبوا الحاج الورزازي عامل المدينة بإعتقال 15 مغربيا من ساكنة مراكش ، وجهوا لهم تهمة قتل الطبيب موشان ، ونقل السجناء إلى سجن الصويرة ، مقر إقامة القنصل الفرنسي .
القوات الفرنسية لورغم ذلك ، لم تبدي أي إشارة بأنها تفكر في مغادرة وجدة ، بل إستغلت إشتعال أحداث بالدار البيضاء من طرف قبائل الشاوية الرافضة لهيمنة وسيطرة فرنسا على ميناء المدينة ، لتبدأ مخططها الإستعماري بشكل واضح من خلال إحتلالها الدارالبيضاء بعد مجزرة هائلة ، هذه التطورات شكلت إشارة لقبائل بني يزناسن بالشرق والتي كانت بقيت حتى الآن هادئة ، متوقتة مغادرة الفرنسيين لوجدة فلما تأكد لها العكس ،بدأت تحركها لتندلت مواجهات عنيفة مابين قبائل بني يزناسن والقوات الفرنسية في وجدة ، ذلك كان بداية صفحة جديدة من تاريخ المغرب المعاصر تميز بسنوات طويلة من صمود القبائل المغربية شمالا كما جنوبا شرقا كما غربا في وجه الاحتلال الفرنسي وكذا الإسباني وتلك حكاية أخرى نرويها .