بقلم محمد الغول
مع حلول سنة 1932 ، كانت القوات الفرنسية قد تمكنت من إسكات وتهدئة مقاومة عدد كبير من القبائل الامازيغية في الأطلس ، وبوسائل مختلفة ، إستعمال القوة العسكرية المفرطة ، و التفاوض وسياسة العصا والجزرة ، وكذا إستمالة بعض القواد بالإغراءات المالية ، وعقد إتفاقات مع قبائل أخرى ، فكل الوسائل كانت مباحة للفرنسيين ، لتحقيق رغبتهم في تهدئة ، تمكنهم من الإلتفات لهدفهم الآساسي ،الذي هو إستغلال خيرات المنطقة ، الذي هو الهدف الآساس من سياستهم الإستعمارية في المغرب ، و التي تعطلها المقاومة الشرسة التي تبديها القبائل المغربية ، ماجعلها بعد مرور أزيد من عشرين سنة على فرضها الحماية على السلطان بفاس ، ترواح مكانها في جهودها لتوطيد سلطتها على كل المناطق المغربية .
في الأطلس كانت قبائل أيت سخمان بقيادة بقيادة المكي أمهاوش في مرتفاعاتها الحصينة ، تشكل سدا منيعا أمام توغل القوات الفرنسية في عمق الاطلس ، حتى مع إستعانتها بقوات محلية من قبيل قوات الباشا حسن أمحروق أو قوات القائد عدي أوبيهي وإستعمال سلاح الطيران بكثافة لتمشيط المنطقة والإستطلاع والقصف ، لكن كل هذه الجهود كانت تفشل أمام الضربات الخاطفة لمقاتلي آيت سخمان للقوات الفرنسية المتقدمة في واضحة النهار ، يفاجئونها ثم ينسحبون نحو قواعدهم الآمنة في آعالي الاطلس.
أمام هذا الوضع ، قرر الجنرال الفرنسي دولوستال ، الذي قاد الحملة العسكرية ضد قبائل أيت سخمان ، حشد مزيد من القوات وتغير خطته الهجومية و الإنتقال إلى خطة هجومية لإنهاء هذا الوضع المزعج والإستفادة من قوة النار لديه ، ناقلا الزحف النهاري لقواته الى الزحف الليلي و الإستفادة من معرفة حلفائه من القواد المحليين بالأرض و مسارب الجبال .
في الآيام الأولى من شهر غشت من سنة 1932 ، بدأت القوات الفرنسية تحركها في إتجاه معاقل قبيلة أيت سخمان ، منطلقة من قواعدها بتادلا و مكناس ، في البداية قامت هذه القوات بإحتلال مراكز متقدمة كنقاط إستراتجية تنطلق منها ، وهكذا إحتلت القوات الفرنسية مدعومة برجال بعض القواد و الباشاوات المحليين مراكز أفود نأوجيل وأهرنموم وتيزي نغيل و هضاب مشرفة على منطقة نأسيف نغدو .
القوات الفرنسية أعلنت بداية هجومها الكاسح بإستعمال واسع النطاق للقصف المدفعي والجوي للمواقع المفترضة لرجال قبيلة آيت سخمان ، قبل أن يتحرك المشاة والفرسان للهجوم ، وشارك فيه إضافة إلى وحدات فرنسية أخرى جزائرية وسينغالية و مقاتلين من زيان و قبلية آيت أزدك بقيادة قواد عملاء للفرنسيين .
الهجوم الفرنسي بدا منذ الدقائق الاولى له ، أنه لن يتمكن من تحقيق نتائج حقيقة رغم قوة النيران الهائلة التي إستعملوها ، حيث أبدى رجال آيت سخمان مقاومة شرسة من مواقعهم الحصينة المرتفعة ، وصدوا الهجوم الفرنسي لصباح يوم 22 من شهر غشت ، كما فعلوا مع هجوم ثاني شنه الفرنسيون وعملائهم يوم 23 من غشت ، و أمام شراسة مقاومة مقاتلي قبيلة أيت سخمان و قيامهم بهجوم مضاد عنيف ، كبد الفرنسيين خسائر بشرية مهمة ، قرر الجنرال دولوستال وقف هجومه ومراجعة خطته من جديد ، فارضا حصارا على مواقع آيت سخمان .
مع وقف الهجوم ، تمكن مقاتلوا آيت سخمان من التسلل ومغادرة مواقعهم رغم الحصار المشدد ، ملتحقين بمواقع أكثر تحصينا وإرتفاعا بأغدو.
القوات الفرنسية ، عاودت الهجوم من جديد بتاريخ الخامس من شهر شتنبر، بعد أن كانت المناوشات إستمرت في الآيام الماضية ، كما الهجمات الخاطفة لمقاتلي آيت سخمان ، الهجوم الجديد فشل كذلك في زحزحة المقاومين عن مواقعهم ، والفرنسيون عاودوا الهجوم بقوة أكبر بتاريخ السابع من شهر شتنبر من سنة 1932 ، مع استعمال مكثف للطائرات الثقيلة التي ألقت على مواقع المقاومين أطنانا من المتفجرات والقنابل ، ومع احتدام القتال وصل إلى منطقة قمة الأرز حيث سجلت مواجهات مباشرة جسدا لجسد بإستعمال الاسلحة البيضاء ، أبلى فيها مقاتلوا آيت سخمان بلاءا حسنا ، مكبدين القوات الفرنسية والمرتزقة مزيدا من الخسائر البشرية .
أمام هذا الوضع وعجز القوات الفرنسية عن تحقيق آي نتائج تذكر ، واستمرار رجال قبيلة آيت سخمان أسياد الموقف والميدان ، لجأ الجنرال الفرتسي دولوستان إلى أساليب وحشية ، حيث بدأفي جمع نساء وأطفال قبيلة آيت سخمان ، وقتلهم بشكل جماعي ، كما قصف تجمعات أسر المقاتلين من أجل الضغط عليهم لتسليم أنفسهم ، وبعد عدة أيام من أعمال القتل البشع والقصف الجوي والمدفعي العنيف إضطر المكي امهاوش لطلب الهدنة من أجل ايقاف نهر الدماء الذي يسيل من نساء و أطفال القبيلة .
بعد مفاوضات إستمرت عدة أيام ، إستسلمت قبائل آيت سخمان بتاريخ 14 من شهر شتنبر 1932 بعد مقاومة شرسة ، فقد خلالها الفرتسيون أزيد من 200 رجل من بينهم عدد من الجنرالات والضباط وهو ما جعل من معارك تازيزاوت من أشرس المواجهات التي خاضها الفرنسيون في مناطق الأطلس من أجل الوصول الى تهدئة القبائل الثائرة ، كما كانت تصف فرنسا عملياتها العسكرية ضد القبائل المغربية، وإن كان ذلك لم يعني نهاية المقاومة المغربية للمستعمر وإنما تغيرت الأساليب و الطرق فقط وتلك حكاية اخرى نرويها .