بقلم محمد الغول
إشتد قصف المدافع من مختلف النقاط من البوارج والمدمرات ، كما من فوق صخرة النكور في إتجاه الشاطئ ، كما إشتد قصف الطيران الحربي ، الذي كان ينطلق من ثغر مليلية محملا بالقنابل الثقيلة ليلقيها على صخور الشاطئ ، محدثة تدميرا رهيبا قبل العودة للتحميل بشكل متواصل ودون هوادة .
في الساعة الواحدة بعد الزوال ، عاودت سفن الإنزال الكرة مرة أخرى تحت غطاء رهيب من القصف المتواصل ، هذه المرة تمكن الجنود الإسبان من وضع قدمهم على الشاطئ الرملي لإيجداين ، حيث إندفعت وحدات الهندسة ، تحاول تفكيك الألغام على الشاطئ لفسح المجال أمام المشاة للتقدم وتوسيع المساحة المسيطر عليها من الشاطئ لإنزال المعدات الثقيلة و نصب مدافع الميدان لمزيد من التغطية بالنيران لتقدم وحدات المشاة .
تحت رصاص وقصف المقاومة المتقطع بسبب قساوة وعنف القصف المدفعي والجوي للعدو ، تمكن الجنود الإسبان ووحدات الهندسة لديهم من التقدم على الشاطئ سنتميترا بعد أخر ، رغم تكبدهم خسائر بشرية ، قتلى وجرحى إلا أنهم إستمروا في التقدم وفق خطة يبدو أنه تم العمل عليها لمدة طويلة ، تم خلالها تدارس و فحص الوضعية الجغرافية للشاطئ بشكل دقيق تجنبا لكل مفاجئة ممكنة من المقاوميين .
الإسبان أصبحوا على دراية وعلم وثيق بالقدرات الفطرية التي يختزنها المقاتل الريفي وشجاعته المطلقة بعد كارثة أنوال ، كما أصبحت تعرف في أدبيات الجيش الاسباني ، فبعد تمكنهم من تنظيف مساحات مهمة من الشاطئ من الألغام ، وإسكات مدفعية المقاومة إما بتدميرها أو بسبب نفاذ الذخيرة ، بدأت سفن الإنزال ، تنقل الى الشاطئ العتاد الثقيل من الشاحنات والعربات و المدفعية ، إضافة الى أسلحة ستستعملها لأول مرة القوات الاسبانية في الريف زودها بها الحليف الفرنسي ، ويتعلق الأمر بدبابات من نوعي (رونو ف ت) و (شنايدر س أ 1) ، تم تحميلها من ثغري سبتة ومليلية ، رغم أن عملية الإنزال تم التخطيط لها وإعدادها بعيدا عن الثغرين لتجنب وصول معلومات حول الهجوم إلى المقاومة الريفية ، فتم تحميل غالبية الجنود الإسبان على متن سفن الأسطول الفرنسي و الإسباني من الموانئ الاسبانية ، خاصة في مالقا و الجزيرة الخضراء ،وحظيت سفن الأسطول بدعم لوجيستي من طرف الإنجليز ، إنطلاقا من قاعدته في جبل طارق ، كما كان إستعمال السفن الفرنسية و العلم الفرنسي على السفن الأخرى لتشتيت الإنتباه وعدم توضيح وجهة هذا الأسطول الظخم ، الذي تكون من 80 سفينة نقل على متنها 13 ألف جندي مدعمة ب تسعة بوارج ومدمرات حربية ، غطت على إقترابها من الشاطئ أسراب من الطيران بلغت 160 طائرة حربية ، إضافة إلى دعم في القصف من طرف 24 قطعة مدفعية من فوق صخرة جزيرة النكور ، في مجهود عسكري وحربي ظخم ، قاده شخصيا رئيس الحكومة الإسبانية الذي وصل إلى منصبه بعد إنقلاب عسكري ، الجنرال بريمو دي ريفيرا بمشاركة كبار جنرالات الجيش الإسباني من قبيل خوسي ساخورخو و فرانسيسكو فرانكو ، الذي سيقود إسبانيا بعدها إلى حرب أهلية طاحنة وديكتاتورية سوداء ، إضافة إلى الجنرال مانويل غوديد و الجنرال ليوبولد سارو .
القوات الإسبانية إحتاجت كل المدة من الثامن من شهر شتنبر 1925 حتى 23 من نفس الشهر لكي تتمكن من تأمين إنزالها و تثبيت مواقعها على شواطئ الحسيمة ، ممارسة قصفا متواصلا ليل نهار من الجو والبحر والبر ، قبل أن تتمكن من السيطرة على المرتفعات الإستراتجية المحيطة بالشاطئ يوم 26 من نفس الشهر ، لينفتح أمامها المجال في سهل النكور ، وكذا في إتجاه أيت قمرة ولم ينهي الغزاة الإسبان عملية الإنزال بشكل كامل إلا بتاريخ 13 من شهر أكتوبر 1925 .
معارك الشاطئ ،خلفت خسائر بشرية فادحة في صفوف الطرفين حيث فقد المقاومون الريفيون حوالي 700 رجل في حين كبدوا القوات الغازية خسائر بشرية قدرت بمئتي قتيل ، ولم يكن نجاح القوات الإسبانية والفرنسية في إنزال قواتها بشواطئ الحسيمة نهاية لمعارك المقاومة الريفية بل إنسحبت المقاومة نحو مجالها الحيوي الجبال وواصلت المقاومة بقيادة عبد الكريم الخطابي وتلك حكاية أخرى نرويها.