بقلم محمد الغول
توترت العلاقات المغربية الجزائرية بمجرد أن إستقلت الجزائر عن فرنسا ، وكان لهذا التوتر أسباب مختلفة منها الظاهر ومنها الخفي ، الظاهر هو الخلاف الحدودي ، فقد كان المغرب يرفض دائما ما قامت به القوة الإستعمارية فرنسا ، من ظم أجزاء من التراب المغربي إلى الجزائري ، مستغلة تركها ثغرات في إتفاقية للا مغنية ، التي أعقبت هزيمة المغرب في معركة إيسلي أمام القوات الفرنسية ، حيث لم تحدد هذه الإتفاقية الحدود بشكل واضح ، خاصة الحدود أسفل مصب واد غيس .
فرنسا كانت قد عرضت على المغرب بعد إستقلاله تسوية الخلاف الحدودي على شرط أن يوقف دعمه لجيش التحرير الجزائري ، العرض الذي رفضه المغرب مفضلا أن يحل الخلاف الحدودي مع الجزائرين بعد إستقلالهم ، فقد كان هناك تفاهم في هذا الإطار مع قادة التحرير الجزائريين .
السبب الحقيقي لتوتر العلاقات مابين المغرب والجزائر حسب المحللين يعود بالآساس إلى الإختيارات السياسية للقادة الجزائرين بعد الاستقلال، حيث وبعد إنقلاب داخل قادة التحرير الجزائريين ، وتبنيهم للخيارات الاشتراكية ، منحازين إلى المعسكر الشرقي و الخيارات الثورية وكذا القومية ، وربطهم علاقات وثيقة مع الزعيم المصري جمال عبد الناصر ، متمثلين لأفكاره التي كانت تعتبر الأنظمة الملكية للدول العربية ومنها المغرب أنظمة رجعية متخلفة، يجب الإنقلاب عليها ، في حين المغرب تبنى توجها ليبراليا ، محتفظا بعلاقات متينة مع الغرب والولايات المتحدة الامريكية .
هذا الخلاف الليدلوجي ظهرت نتائجه مباشرة بعد استقلال الجزائر حيث اندلعت مواجهات مابين جيشي البلدين على الحدود عرفت بحرب الرمال بإعتبار انها وقعت في مناطق صحراوية وذالك بداية شهر اكتوبر من سنة 1963 ورغم ان هذه المواجهات انتهت بشكل سريع بعد تدخل منظمة الوحدة الافريقية وتم توقيع اتفاق لوقف اطلاق النار بتاريخ 20 من شهر فبراير 1964 الا انها خلقت اسبابا جديدة للتوتر مابين البلدين تنظاف للاسباب القديمة باعتبار انها لم تجد حلا للخلاف الحدودي و انتهت معاركها بطعم مر لدى قادة الجزائر بإعتبار التفوق الواضح للجيش المغربي الذي كان قد أصبح طريقه سالكا نحو تندوف بعد تحقيقه انتصارات على القوات الجزائرية وحتى عندما فتحت القوات الجزائرية جبهة جديدة بهجوم على مستوى فكيك في محاولة لتخفيف الضغط على قواتها في الصخراء لم يتغير الوضع كثيرا كيث كشف عن تفوق للقوات المغربية و بل أدى فتح جبهة فكيك لتسجيل واقعة ظلت مثار كثير من الغموض حيث أسر عدد من الجنود المصريين وهو ما كان كشف عن تورط مصر عبد الناصر في هذه الحرب و من الصدف الغريبة انا واحدا من الضباط المصريين الذين أسروا في هذه الواقعة كان هو الذي سيتولى بعد ذالك قيادة مصر لعقود ويتعلق الانر بالرئيس المصري المعزول حسني مبارك والذي كان أنذاك طيارا بالقوات الجوية المصرية ، الجزائر تلقت خلال هذه الحرب قبل نهايتها دعما من المعسكر الشرقي بالتسليح والعتاد وكذا بالرجال من كوبا .
إنتهاء الحرب بهذه الطريقة الهشة ، ساهم في تعزيز التوتر مابين المغرب والجزائر ، فأقحمت الأخيرة نفسها في النزاع المغربي الإسباني حول الصحراء فيما بعد معاكسة للمصالح المغربية ، ورفضت إبعادها عن إتفاق مدريد بعد المسيرة الخضراء ، الإتفاق الموقع بين المغرب و إسبانيا وموريتانيا ، فسارعت لتمويل وتسليح مليشيات البوليساريو .
القوات الجزائرية لم تكتفي بدعم وتسليح مليشيات البوليساريو، بل تورطت بشكل مباشر في الصراع من خلال قيام قواتها بالتوغل داخل الصحراء حتى قرية أمغالا جنوب مدينة السمارة بتاريخ 27 من شهر يناير من سنة 1976 ، في وقت كانت فيه بالكاد القوات الإسبانية تكمل انسحابها من المنطقة ، القوات المغربية تبدأ بالإنتشار هناك .
هذا الإستفزاز الذي تمثل في قيام اللواء الأول من مشاة الجيش الجزائري بإحتلال قرية أمغالا في حين كان فيلق آخر يحتل تيفاريتي و لواء من المدرعات يصل إلى منطقة المحبس قرب الحدود الموريتانية ، أغضب الملك الراحل الحسن الثاني و قادة الجيش المغربي بشكل كبير ، فقرر الحسن الثاني الرد على هذا التحرك العسكري الجزائري بالقوة العسكرية اللازمة ، فأمر الجيش بالتحرك الذي بدأ بفرق مختلفة ، قوة قادها النقيب حبوها لحبيب و قوة أخرى مشكلة من المشاة مدعومين بحوالي 36 دبابة بقيادة الكلونيل بن عثمان ، ومع إقتراب القوات المغربية من مواقع القوات الجزائرية ، إستعملت الآخيرة مدفعيتها الثقيلة المتمركزة على الآراضي الموريتانية في الطرف الآخر من الحدود ، ممطرة القوات المغربية المتقدمة بوابل عنيف من القصف المدفعي من على بعد حوالي ستة كيلومترات في محاولة لوقف تقدمها ، الأمر الذي دفع بالقوات المغربية إلى طلب دعم جوي ، حيث تدخل سلاح الجو المغربي الذي كان له دور حاسم في هذه المعارك ، إضطرت معه القوات الجزائرية للإنسحاب ، بعد أن تكبدت خسائر فادحة في عتادها الحربي الذي دمرته الطائرات المغربية ، وفي ظرف يومين كانت القوات المغربية قد حسمت المعركة وأعلنت بتاريخ 29 من شهر فبراير 1976 عن خسائر بشرية قدرت بحوالي 200 من عناصر الجيش الجزائري و مليشيات البوليساريو ، و أسر أزيد من مئة أخرين في حين فقد الجيش المغربي حوالي عشرين من أفراده ، بعدها إنسحبت القوات الجزائرية ومعها مليشيات البوليساريو إلى ماوراء الحدود ، ورغم إستمرار المناوشات غير أن المعركة الرئيسية كانت قد حسمت بأمغالا و أمام فشل الخطة الجزائرية العسكرية ، دفعت بجبهة البوليساريو إلى اإلان قيام ما أسمتها الجمهورية العربية الصحراوية من تندوف ، التي ستدخل مليشياتها في مواجهات على شاكلة حرب العصابات مع الجيش المغربي في محاولة لإستنزاف مقدراته ، قبل ان يقوم المغرب بإقامة الحائط الدفاعي بتعزيزاته المتنوعة ، التي حدت بشكل كبير من تسلل عناصر البوليساريو ، بحيث أصبحوا تحت رحمة سلاح الجو والمدفعية المغربية ، متكبدين خلالها خسائر كثيرة على عكس ما كان يقع في بداية النزاع ، هذا الوضع إستمر حتى توقيع إتفاق وقف اطلاق النار برعاية الأمم المتحدة ، و تلك حكاية اخرى نرويها .