محاولة في تعريف التخلف الاجتماعي
معاد الغريب – أستاذ التعليم الثانوي
قبل الخوض في مصطلح التخلف الاِجتماعي Social Backwardness ، دعونا نخوض أولا في مصطلح التخلف Backwardness ، بحيث نوضح معناه و من ثم نربطه بما هو اجتماعي لنخلص في الاخير الى تعريف التخلف الاِجتماعي.
مصطلح التخلف برز بشكل ملفت منذ خمسينيات القرن العشرين بعد ان حصلت معظم الدول على استقلالها و لكنها فشلت في اللحاق بالدول المتقدمة. حيث ثارت مجموعة من التساؤلات حوله مما أدى الى بروز عدد كبير من الأبحاث ووجهات النظر رغبة في تأطيرهوتفسيره. فالتخلف هو ضد و نقيض التنميةDevelopment ، و الأشياء تعرف بأضدادها، فحسب منظمة الأمم المتحدة التنمية هي:
” العمليات التي بمقتضاها تُوجّه الجهود لكلٍّ من الأهالي والحكومة بتحسين الأحوال الاقتصاديّة والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحليّة؛ لمساعدتها على الاندماج في حياة الأمم والإسهام في تقدّمها بأفضل ما يمكن”
و بهذا يكون التخلف هو تلك الحالة من الجمود و السكون و البطء المتسبب في عدم توحيد الجهود بهدف تحسين الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للأفراد و المجتمع و بالتالي الأمم ككل. والتخلف هو أيضا ذلك الفشل الذي يحول دون خلق تصورات واضحة وعملية يكون من شأنها الاِسهام في تحسين الوضعية المعيشية لأفراد المجتمع.
و الأمة المتخلفة هي كذلك ليس لأنها لا تتوفر على موارد بشرية و طبيعية … ولكن لأنها تفتقر للقيادة Leadership و التصور الذي يمكنها من حسن تدبير الموارد المتوفرة و توجيهها نحو تحقيق التنمية الشاملةGlobal Development.
اِذن، بعد أن تعرفنا على مدلول التخلف بشكل عام ومختصر، نأتي الأن الى ربطه بالمجال الاجتماعي. و هنا نبدأ بهذه الإشارة المهمة، هناك ما يسمى بعلم اجتماع التخلف، هذا الأخير نشأ خصيصا ليدرس طبيعة التخلف الاجتماعي و دور الافراد في ذلك.
اِن أهم ما يميز التخلف الاِجتماعي، هو التغييب الممنهج للطاقات الشابة، حيث تحل محلها ما تسمى بالنخبة السياسية الموروثة Political elites و التي تهيمن على كل مفاتيح الحكمـ. و بحجة أنها الأقوى و الأكثر حكمة و الاقدم تجربة تقوم بتهميش الشباب كليةًعن ما سميناه في الأسطر السابقة ب” توجيه كل الموارد نحو تحقيق التنمية الشاملة”.
ضف الى ما سبق، عزيزي القارئ، كثرة العادات و التقاليد الرجعية و التي بشكل او بأخر تدفع المجتمع الى مزيد من الاِنحطاط الفكري و التقهقر الى الوراء. بحيث يصبح الفرد محدود التفكير غارقا فيما لا فائدة منه. هذا بالضرورة يولد الفقر و البطالة، و من حقك ان تطرح السؤال التالي: كيف ذلك؟ أجيبك بان المحدودية في التفكير تمنع الفرد من التفكير خارج الصندوق Thinking outside the box، و هذا ما لا يتماشى مع عصرنا الحالي و الذي يتطلب من الفرد ان يخلق لنفسه فرصا للنجاح و ان لا يكون نسخة عن الاخرين، فالتميزوسيلة و غاية في نفس الوقت.
علاقة التخلف الاجتماعي بالتخلف الاقتصاديEconomic Backwardness لا يمكننا أبدا ان نعزل ما هو اِجتماعي عن ما هو اِقتصادي، فالتخلف الذي يعيشه العالم العربي ،مثلا، له علاقة وطيدة بسوء اِستغلال الثروات المتوفرة و باِختلال او غياب التصورات المبنية على الأفكار و النظريات الاقتصادية وليس على الأشخاص و بالتبعية الاقتصادية العمياء للخارج.
كل هذا ساهم و يساهم بشكل واضح في تعميق الأزمة الاجتماعية و تعقيدها، بحث أصبح الفرد في صراع على البقاء مع باقي أفراد المجتمع، أن يكون او لا يكون! وهذا ما أثر على المستوى الثقافي و الفكري للفرد، فكيف له ان يوسع أفاقه الفكرية و اقصى اِهتماماته تلبية حاجياته الطبيعة من الأكل و الشرب.
خلاصة القول، اِن التخلف الاِجتماعي له مظاهر متعددة، تمتد الى ما هو اقتصادي و سياسي و ثقافي… و هذا المقال ما هو الى محاولة لتسليط القليل من الضوء على هذا الموضوع المهم أملاً في إعادة اثارته من جديد في الأوساط الفكرية و الأكاديمية بهدف الوصول الى حل للأزمة التي تعيشها مجتمعاتنا و بالتالي الرقي بها و بوضعيتها المعيشية.
تسلم اليد التي كتبت