يوميات مصاب “بكوفيد-19”
محمد العربي المزوزي
اختبار كوفيد 19 : إيجابي لستُ حتى خائفا….
بدأت الحكاية منتصف يوم الجمعة 26 يونيو و امتدت إلى ثلاث ليال و يوما نهاية الأسبوع، كلها حمى و رعشات برودة ثم حرارة مصحوبة برشات عرق كثيف، آلام في المفاصل و كدمات في باقي الجسم، إسهال متوسط الحدة . بينما الأعراض الأكثر خشونة هي فقدان حاسة الشم و حاسة الذوق صبيحة يوم الإثنين بشكل تام.
أخذت دوشا باردا و اتصلت بطبيب الأسرة ثم طبيب الشغل، كلاهما كان الكشف عبر الهاتف كافيا لتشخيص المرض، و بالتالي ألحا علي الذهاب إلى مستشفى محمد الخامس لتأكيد أعراض كورونا، الوجهة الرسمية الوحيدة في المدينة المخول لها مثل هذه الفحوصات.
كان المشهد تحت الخيام عند باحة المستشفى فوضاوية و عدد الوافدين يفوق الطاقة الاستعابية. استمرت مفاوضات إقناع وسيط هيئة التطبيب ثم اللجنة المختصة مع أخذ مواعيد غير ملزمة لهم حتى يوم الأربعاء.
فتفاوت العوامل المستخدمة لتحديد ما إذا كنت ستخضع لاختبار الكشف عن فيروس كوفيد 19 اعتمادًا على معطيات غير دقيقة… المكان الذي تعيش فيه…. المؤسسة المشغلة ،و أيضا بناءً على موقعك الاجتماعي، و كأن الشخص الذي نصبوه للتحري و العيادة بشكل أولي قبل أن يقرر الأطباء ما إذا كان إجراء فحص فيروس كورونا المستجد ملائمًا لحالتك، و كأن ذاك الشخص له توصيات لرفض مسبق لأي حالة تعرض عليه.
خلال كل هذه المدة انخرط جسمي في صناعة المناعة و مصارعة الفيروس الدخيل تجنبتُ الاختلاط في البيت و أقنعتُ بصعوبة صغيرتي ذات الست سنوات بتأجيل مسلسل الأحضان و القُبل، ألغيتُ جميع مواعيد اللقاء بالأصدقاء رغم الإلحاح على احترام التباعد و لبس الكمامات .
فرغم ترسانة الاحتياطات و الحواجز الافتراضية و التعقيمات المبالغ فيها في البيت و المكتب و المصلحة التي أشرف عليها و في السيارة و عُقد ارتداء الكمامات و فريضة الغسل عند كل عودة إلى البيت…. رغم كل هذا استطاع فيروس Covid-19 أن يجد طريقه إلى حنجرتي الرخوة. فالفيروس ميكروسكوبي و ليس حشرة أو بعوضة حتى يمكن تفاديه بشكل تام.
مساء يوم الخميس استقبلت مكالمة من إحدى مصالح ولاية طنجة، أخبرني فيها المسؤول عن مضض أن نتيجة الكشف كانت إيجابية، و أنني مجبر في الساعات القليلة المقبلة على للاتحاق بالمركز الميداني للاستشفاء بالغابة الدبلوماسية، عبر سيارة إسعاف الوقاية المدنية، تلتها مكالمة عون السلطة لبدئ الترتيبات اللازمة.
هو بالتأكيد خبر غير سار لكنه كان منتظرا حتى و إن لم يتناسب مع تحسن ظروفي الصحية يوم ورى يوم.
خيم على أسرتي جو مشحون بالقلق و الخوف و الترقب، دموع و حيرة و صدمة، سرعان ما استعادت زوجتي توازنها النفسي و بدأت بتجهيز حقيبة السفر نحو الحجر أو الحجز الصحي.
في صباح يوم الجمعة اتصل بي منسق الوقاية المدنية و اتفقنا متفهما الوضع على اقتناء سيارة الإسعاف بعيدا عن البيت بحوالي نصف كيلومتر من أجل قطع و تأجيل تساؤلات الفضوليين. كنت أرى بكل جوارحي أفئدة زوجتي، حماتي، و لدي و صغيرتي… ترتعش ترقبا و خوفا أما الدموع و القلق فهو سيد الموقف بلا منازع.
شكرا للترتيبات الأمنية و لخلايا التتبع في وزارة الصحة و الداخلية و الوقاية المدنية و على كل الساهرين على المخيم الميداني في الغابة الديبلوماسية، الذين جعلوا من مرحلة الحجر و الاستشفاء متعة و إثارة و تشويقا، كل التفاصيل تستحق التنويه من المرافق الصحية حتى المبيت و جودة الوجبات…
شكرا لكل الأصدقاء و الأهل و الأحباب الذين سألوا عني و تتبعوا أخباري بعيدا عن العالم الأزرق، عذرا مرة أخرى لزوجتي التي عيشتها لحظات من الألم و الحيرة، و والدتي التي خجلت من دموعها و التي قضت ليلة بيضاء تضرعا لله.
قريبا سأعود إليكم جميعا ، فمن عمق الجرح ينبثق الأمل.
شافاك الله ورعاك لأحباىك. صديقك أسامة شروي