أسال قرار توقيف رئيس جماعة اكزناية، احمد الإدريسي، يوم الاثنين المنصرم، الكثير من المداد نظرا للنفوذ الكبير الذي كان يمتع به هذا الرجل على المستوى المحلي و الجهوي في إعداد الخريطة السياسية للمجالس المنتخبة. لكن الغموض الذي رافق توقيف “عراب” الأصالة و المعاصرة من أجل عزله أدى إلى تناسل الشائعات حول دوافع هذا القرار الذي نزل كالصاعقة على الموالين لهذا الأخير، في حين استقبل خصومه السياسيين هذا الخبر بكثير من الفرح و الشماتة في الرجل.
تناسل هذه الشائعات غذتها غياب المعلومة، حيث اجتهد الجميع في نسج الروايات المفترضة لعزل المعني بالأمر من مهام رئاسة و عضوية هذه الجماعة، ارتأينا عدم التسرع في الانجرار بنشر خبر التوقيف رغم توفرنا على هذا “السبق الصحفي” إلى حين تأكيده رسميا، حيث اكتفينا بإعداد بورتريه عن الرجل عنوناه ب “النهاية؟ ! ، حرصنا فيه على طرح العديد من التساؤلات التي استشرفنا فيها الاغتيال المادي و المعنوي لرئيس جماعة اكزناية، و المصير المرتقب في ظل هذه التطورات.
و بالنسبة للمبررات التي استندت عليها السلطات، في شخص الوكيل القضائي للمملكة بخصوص التوقيف إلى حين البث في طلب العزل، هي الفقرة السادسة من مقتضيات المادة 64 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، لثبوت ارتكاب (أثناء الممارسة) لعدة أفعال مخالفة للقوانين و الأنظمة الجاري بها العمل.
فحسب المعطيات التي جمعناها فإن الأفعال المخالفة للقوانين التي اعتمدت عليها السلطات في دعواها أمام المحكمة الإدارية، هي الخروقات التي وقفت عليها لجنة الافتحاص التابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية، التي سبق لها أن حلت بالجماعة المذكورة خلال شهري شتنبر و أكتوبر من السنة الماضية، فأعدت تقريرا مفصلا عن جملة من الاختلالات التي رصدتها هاته اللجنة، حيث تم مراسلة المعني بالأمر بصفته رئيسا لهذه الجماعة من أجل الإجابة عن مجموعة من الاستفسارات. لكن هذه الإجابات اتسمت بالسطحية، و بالتالي أقرت بأن هذه المخالفات موجودة، حيث توزعت بين الترامي على عقارات تابعة للملك الغابوي و عقارات خاصة من خلال كرائها للغير و الترخيص بالبناء فوقها، أو المشاركة في الترامي على عقارات تابعة للملك الغابوي و عقارات سلالية و التشجيع على ذلك، من خلال منح المترامين عليها رخصا و شواهد إدارية للبناء فوقها أو استغلالها. مما ساهم ( يضيف تقرير اللجنة) في الإضرار بالمركز القانوني لهذه العقارات التي لا تكتسب بالحيازة و لا بالتقادم، فضلا عن كون أراضي الجماعات السلالية تخضع لمساطر قانونية و تنظيمية خاصة، يرجع البث فيها لمصالح الوصاية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر الرسم العقاري عدد 62009/06، و الملك الغابوي المسمى “اشراقة”، مطلب التحفيظ عدد 16966/06 موضوع إشهاد بأرض جماعية، مطلب التحفيظ 14380/06، مطلب التحفيظ عدد 18875/06…
كما وقفت لجنة الافتحاص على إحدى حالات التنافي أو تنازع المصالح في حق الرئيس، سواء كان ذلك بصفة شخصية أو بصفته مساهما أو وكيلا عن غيره أو لفائدة زوجه أو أصوله أو فروعه، من خلال إبرامه لعدة صفقات عمومية على شكل سندات الطلب مع الصيدلانية (ف.إ) التي تعد ابنته، الأمر الذي يعد مخالفا للمادة 65 من القانون التنظيمي رقم 133.14 في اقتناء مواد صيدلية و مبيدات الحشرات، حيث وصل مجموع هذه الصفقات إلى مبلغ 1.771.925 درهم من الفترة 2015 إلى 2019، علما أن سندات مبيدات الحشرات لا يتناسب مع طبيعة نشاط هذه الصيدلانية، مما يؤكد إصرار الرئيس الموقوف على خرق القانون و تجاوز مقتضياته الآمرة.
ناهيك عن وقوف هذه اللجنة على عدم إخضاع عمليات توزيع و استعمال هذه المواد لقواعد المحاسبة، من خلال عدم توفر الجماعة المذكورة على أي وثيقة لتتبع استهلاك و توزيع هذه المواد من طرف الطبيب المشرف على مكتب حفظ الصحة بالجماعة…
هذه كانت من بين الأسباب التي عجلت بالقتل المعنوي و المادي “للسياسي” المخضرم احمد الإدريسي. لكن المتتبع للشأن المحلي يتساءل عن أين كانت لجان التفتيش طوال هذه المدة الانتدابية للوقوف على هذه الخروقات و الاختلالات ؟ و هل أن توقيت قرار توقيف و عزل الإدريسي مرتبط بأجندات بعض الجهات لإفساح المجال لها للتخلص من القبضة الحديدية لهذا الأخير +على المشهد السياسي المحلي و الجهوي ؟ و لماذا لم يتم تحريك المتابعة في أوج النفوذ الذي كان يتمتع به الموقوف ؟ و هل قرار التوقيف و العزل المحتمل للإدريسي هو رسالة مشفرة لمن ما زال يتوهم انه يتمتع ب”الحصانة” ضد أي قرار للسلطات ؟