ككل ليلة يوم الإثنين وقبل الخلود للنوم، فتحت مذياعي القديم وصوّبتُ الموجة نحو إذاعة طنجة كي أستمع لبرنامج “أنيس السائقين” الذي يهتم بهذه الفئة من المجتمع – السائق المهني – ويفسح لها المجال للتعبير عن همومها وانشغالاتها الكثيرة، وقد استفدت منه عبر سنوات طويلة من الإنصات لمعرفة ما يدور في هذا القطاع. لكني تفاجأت البارحة بغياب صوت الإذاعي القدير محمد بن الطيب الذي يقدم البرنامج، وحينما سألت عن الأمر أُخبرتُ أن الرجل أحيل على التقاعد.
كان بن الطيب الملاذ الآمن للسائقين داخل أرض الوطن وخارجه، هو صوتهم أمام الجهات المسؤولة يعبرون من خلاله عن مطالبهم، الجميل في الأمر أن بن الطيب يعلم اسم كل متصل بمجرد سماع صوته، فالكثير من السائقين هم أصدقاء البرنامج وأصدقاء بن الطيب لمدة عقود.
لا شك أن مغادرة محمد بن الطيب لإذاعة طنجة يعد خسارة كبرى لزملائه ومستمعيه، فالرجل يتميز بحسن المعشر وخفة دم وبالتمكن من التقديم الإذاعي بأسلوب سلس، وسهل ممتنع في نفس الوقت، مُنشط إذاعي من الطراز الرفيع حاز على الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة – صنف الإذاعة – سنة 2009.
قدّم محمد بن الطيب العديد من البرامج منها “عيون لا تنام” وبرنامجه الشهير “بسرعة ومن غير تردد” الذي يشارك فيه الكبير والصغير فيحسن بن الطيب معاملتهم جميعا دون تحسيس أي أحد بضعف أو نقص، رنّة الجرس تعد إعلاما للمشارك بأنه أخطأ الجواب، برنامج يشيع في الناس الثقافة العامة ويحفز على القراءة والمعرفة.
سبق لي أن شاركت مع محمد بن الطيب في برنامج إذاعي مفتوح حيث اتصلت به كمستمع للتعبير عن رأيي في الموضوع الذي تناولته تلك الحلقة.
سنشتاق لصوت محمد بن الطيب الهادئ والوديع، الذي يقدم برامجه بمهارة عالية ودون تكلف، كل التحية والتقدير لهذا الصوت الإذاعي الجميل ومن خلاله لكافة العاملين بإذاعة طنجة.
أرجو أن تهتم المصالح المركزية للإذاعة الوطنية بالعنصر البشري الذي تآكل مع مرور السنوات بإذاعة طنجة، وأن تدعمها بمذيعين يغنون طاقمها المقتدر.