الجرافة وتاريخ طنجة مرة أخرى ؟
أنس الحداوي العلمي
الظاهر أن إعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب و ما تبعها من إجراءات احترازية و استباقية لمنع تفشي فيروس “كورونا”، كان له بعض الانعكاسات السلبية على تتبع إنجاز بعض الأوراش الكبرى بالمدينة نظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها المدينة، لا سيما مع تجند جميع المصالح في التحسيس و التوعية بالالتزام بالتعليمات الصادرة عن السلطات العمومية لكسب هذا الرهان.
لكن هذه المبررات و غيرها لا ينبغي أن تكون ذريعة للتهاون عن مراقبة بعض الأوراش الحساسة التي تحتاج إلى تتبع أدق التفاصيل في عمليات الترميم و التهيئة للمواقع التاريخية بالمدينة العتيقة.
فمنذ انطلاق أشغال توسعة الطريق بمحج محمد السادس، قبالة محطة القطار القديمة، فقد انتاب متتبعي الشأن المحلي هواجس و تخوفات من الطريقة الارتجالية و العشوائية التي تتم بها عمليات الحفر من طرف عمال المقاولة المشرفة على هذا الورش، فضلا عن غياب لوحة تعريفية بهذا المشروع.
فمن خلال المعاينة الميدانية لهذا الورش، و عن طريق الصدفة رصدت عدسة كاميرا “موقع 365yawm” وجود أجزاء مبان حجرية يجهل إلى أي حقبة تاريخية تعود، تم اكتشافها خلال عمليات الحفر، لكن تم طمرها في زمن قياسي من طرف الجرافات بناء على تعليمات المشرف على هذا الورش، مستغلا انشغال الجميع بحالة الطوارئ الصحية.

في الوقت الذي كان على المسؤولين إيقاف عمليات الحفر و العمل على تشكيل فريق بحث يضم مختصين في علوم الأركيولوجيا و التراث للتنقيب على الآثار المتبقية لإماطة اللثام عن الأسرار التاريخية لهذا الموقع، الذي يحتاج إلى كل الفاعلين في مجال التنمية المحلية، لأنه يمكن ان يكون موقعا أثريا فريدا من نوعه يتوفر على كل المقومات التنموية لبلورة هوية سياحية و ثقافية و اقتصادية للمنطقة، و بالتالي وضعها في سياقها الجغرافي و التاريخي سواء على الصعيد الوطني أو الدولي.
و في هذا السياق حاولنا إشراك بعض الفعاليات الجمعوية المهتمة ببرنامج تأهيل و تثمين المدينة العتيقة لمعرفة رأيها في هذه “الجريمة” المكتملة الأركان في حق هذا الموقع التاريخي.
عدنان المعز، “باحث في مجال تدبير الشأن العام المحلي” يرى أن مدينة طنجة تختزن تراثا إنسانيا متفرد بحكم تواجدها بموقع جغرافي شكل منذ القدم شريان العالم ، تراث متنوع يعكس تعدد الثقافات التي تعاقبت عليها بدءا بالفينيقيين…إلى الفتح الاسلامي بفترتيه ، ثم الاستعمار الأوروبي و المرحلة الدولية فعودت المدينة إلى السيادة المغربية.

تاريخ طويل من الأحداث التي طبعت تاريخ المدينة المحصنة بأسوارها وبروجها بالإضافة إلى موقعا الجغرافي ، إلا أن المدينة العتيقة ستتوسع خارج الأسوار مع بداية القرن 20 بعد أن عرفت تكثيفا داخليا ، حيث انفتحت المدينة على مجالها البحري .
حيث سيشتهر شاطئ المدينة والذي سيحمل اسم الدولة المقابلة له شارع إسبانيا قبل أن يتحول إلى شارع الجيش الملكي ثم محج محمد السادس .
شارع إسبانيا سيعرف أوج شهرته مع توافد استثمارات أجنبية ضخمة أهمها إسناد تدبير ميناء طنجة لشركة دولية ، وحصول الشركة الفرنسية الإسبانية على حق بناء خط السكة الحديدية بين طنجة وفاس ، حيث سيعرف الطريق ظهور تجمعات حضرية تضم سكن من قبيل إقامات “رتشهاوسن” وفنادق فخمة من قبيل “سيسيل” ، وساحات عمومية من قبيل الساحة المقابلة لمحطة القطار القديمة والتي تعتبر أول محطة تم تشييدها بالمغرب ، حيث ستعرف هاته الساحة تاريخا مهما بداية مع بناء إقامات “رتشهاوسن” سنة 1905 ومد السكك الحديدة سنة 1927 وبناء الميناء العصري سنة 1930 ، كما ستحتضن فيما بعد محطة الحافلات المتجهة خارج المدينة .
ومع تطور المدينة وتوسعها وتحولها إلى مدينة حديثة انطلاقا من سنة 2005 حيث ستعرف مدينة طنجة سلسلة من المشاريع التنموية المهيكلة ( البرنامج الاستعجالي ،التأهيل الحضري ، التنمية الحضرية ، مشروع طنجة الكبرى ) وبعض المشاريع الاقتصادية الكبرى من قبيل مشروع ميناء طنجة المتوسط و مشروع الميناء الترفيهي ، سيعرف شارع إسبانيا هجمة كبرى قوضت تاريخه التليد ، حيث سيتم هدم مجموعة من مآثره التاريخية من قبيل فندق “سيسيل” و منارة الشاطئ ، فيما أنقدت احتجاجات الساكنة وجمعيات المجتمع المدني محطة القطار وإقامة “ريتشهاوسن” التي لازالت إلى اليوم يتحصر كل من يقف على أركانها بقيمة هاته الجوهرة الضائعة ، ولعل آخر المآثر التي تصيدتها المعاول والجرافات والساكنة والغيورين على تاريخ المدينة خاضعون لحظر التجوال وفق الاجراءات الاحترازية لمنع تفشي فيروس “كرونا” التي فرضتها السلطات العمومية ، ساحة الشاطئ المقابلة لمحطة القطار القديمة و التي شكلت لعقود ذاكرة مشتركة للساكنة .
ساحة الشاطئ اليوم تم تجريفها بالكامل ، دون أن يتم استشارة ساكنة المدينة أو على الأقل العمل على صيانة المأثر التاريخية التي توجد تحتها قبل استهدافها ، فالساحة شكلت الطريق البحرية الرئيسية إلى خارج المدينة قبل أن تتحول بداية القرن 20 إلى ثاني شارع اقتصادي سياحي بالمدينة وهو ما يفترض أن تحتوي على أساسات بنايات قديمة ملحقة بالمدينة العتيقة .
كم هو جميل أن تتجمل مدينة طنجة بمشاريع حديثة وبنيات عصرية ، لكن أليس من الأجدى أن نحافظ على التراث الحضري للمدينة، فطنجة مدينة اشتهرت بماضيها التليد ووسمت بالعروس لجمال هذا التراث التي يتم تبديده اليوم تحت مخالب الجرافات.
و بالنسبة للفاعل الجمعوي محمد العربي بنرحمون، “رئيس جمعية عين قطيوط للقراءة والتربية وشريك جمعية “رتشهاوسن”، فبعد الاستشارة مع بعض الخبراء في الجمعية الأستاذ الجامعي أحمد الفتوح والدكتور أحمد حببي مدير سابق لمتحف القصبة بطنجة، تبين من خلال النقاش أنه كالعادة فبعض المسؤولين يتصرفون ويفعلون ما يريدون في الفضاءات العمومية دون احترام للمواطنين، ففي عز جائحة كورونا وتطبيق حالة الطوارئ تبرز بناية ذات طابع تاريخي ومعماري سيكون لها قيمة ضمن المآثر التاريخية لمدينة طنجة دون الإعلان عنها. فعلا الصورة تبرز قبة قوس ترجع لبناء قديم ،على ما يبدو حسب الخبيرين أن البناية عبارة عن ممر تحت أرضي. الأمر الذي يتطلب الوقوف بعين المكان من أجل تحديد وظيفة هذه البناية فيما إذا كانت قائمة لحد تاريخه.
مبدئيا فأمر تحديد هذه الوظيفة يرجع إلى المسؤولين بشأن الحفاظ على التراث هما:
مفتش المباني التاريخية و المحافظ الجهوي على التراث التابعين لوزارة الثقافة. فصمت هاتين المؤسستين ناتج، ربما، عن عدم إحراج السلطة المحلية المتمثلة في ولاية طنجة.