المشروع الاستراتيجي لشبكة المواصلات بطنجة سيغير نوعيا نظرة الساكنة للنقل العمومي والإقبال عليه
بقلم : عبد العزيز حيون
بدون أدنى شك لن يغير المشروع الاستراتيجي الضخم الذي أعلنت عنه السلطات الإقليمية والمتعلق بإنشاء قطار حضري وشبكة مواصلات متطورة ،فقط البنية الحضرية العامة لمدينة طنجة وضواحيها وإنما سيغير نوعيا نظرة الساكنة للنقل العمومي بشكل عام .
كما أن هذا المشروع ،الذي يتطلع الكل الى تحقيقه وإنجازه على أرض الواقع في أقرب الآجال، يتجاوب مع التطور الديموغرافي الهائل والتزايد المطرد للطلب على هذا النقل العمومي كمرفق حيوي لا يهم فقط المواطنين الذين لا يتوفرون على وسيلة النقل وإنما أيضا من لهم وسيلة النقل أيضا التي لن يحتاجوها عمليا إذا تم توفير نقل عمومي يغطي المدينة والضواحي كما يجب ويدبر كذلك الزمن بشكل ناجع كما هو جاري به العمل في الدول المتقدمة .
باعتماد هذا المشروع أيضا سنيسر حركة المرور و سنعالج الازدحام الملفت، الذي لم يعد في طنجة يقتصر على فترات الذروة بل يتجاوز ذلك الى طيلة اليوم في أوقات مختلفة حتى في نهاية الأسبوع ،والذي أصبح للأسف مشهدا شبه معتاد يشوه جمالية وجاذبية المدينة التي تستقطب السياح المغاربة والأجانب على طول السنة .
واستعمال الساكنة للنقل العمومي وفق المشروع المنتظر واستخدامه بكثافة وبدون عُقد اجتماعية أو إحساس بالنقص كما هو الحال في الدول المتقدمة ، أضحى ضرورة اقتصادية واجتماعية قصوى ، ووفرصة لمواجهة تحديات كبرى تؤرق السلطات كما الساكنة ،مثل البنية التحتية المتهالكة ونقص التمويل المخصص للنقل العمومي وقلة الاستثمار النوعي ،وهي أمر واقع يؤثر على جودة الخدمة في النقل العمومي ويدفع الناس الى عدم استعمال هذا النقل رغم أهميته ودوره الحيوي لتحقيق التنمية المستدامة، حيث يقلل الازدحام المروري وتلوث الهواء، ويعزز النمو الاقتصادي عبر ربط الناس بالفرص والخدمات الأساسية، ويحسن جودة الحياة في المدن، ويسهل الوصول إلى التعليم والصحة، بالإضافة إلى دوره في خلق فرص عمل وتعزيز التبادل الثقافي والاجتماعي وتوفير الوقت والجهد على الإنسان .
وما يجب أن ننتبه إليه ونعيره الاهتمام الكبير هو أن النقل العمومي “المستدام” بإنشاء القطار الحضري ووسائل نقل أخرى صديقة للبيئة يساهم في تقليل الآثار البيئية السلبية ،مثل تلوث الهواء والضوضاء المرتبطة بالسيارات وتقليل الانبعاثات الكربونية ، وتوفير خيارات ميسورة التكلفة ومتاحة للجميع، كجزء من استراتيجية مدينة مستدامة، خاصة وأن مدينة طنجة تعرف توسعا عمرانيا يتطور من يوم لآخر لأسباب عديدة .
كما أن اعتماد النقل العمومي المستدام يساهم في تحسين صورة المغرب كدولة منفتحة على الحلول الحديثة والمستدامة والبلد الذي يعرف دينامية تنموية مهمة والقادر على مواجهة أي نوع من التحديات ،منها “أزمة” النقل العمومي ، التي تشكل ،في الوقت الراهن ، تحديا كبيرا أمام الساكنة المحلية التي تعاني من غياب وسائل نقل حضري ليس فقط كافية بل وناجعة ومريحة ومستقطبة لاهتمام الناس ومواجهة لمشكل الخصاص في وسائل النقل العمومي ،الذي يسبب في تفشي النقل السري إما بواسطة السيارات أو الدراجات الثلاثية والدراجات النارية العادية ،كما أصبحنا نلاحظ مؤخرا ..وما يترتب عن ذلك من مخاطر نحن في غنى عنها .
وتكفي الإشارة الى أن مواطني الدول المتحضرة يعتمدون على النقل العمومي كخيار أساسي في تحركاتهم اليومية لمختلف الأغراض ، بفضل شبكات متطورة تشمل القطارات والمترو والترام والحافلات الصديقة للبيئة ، والتي تتميز أيضا بالتكامل وسهولة الاستخدام عبر التطبيقات لشراء التذاكر، مع التركيز على الاستدامة واحترام الزمن والتوقيت ، دون الحديث عن أن النقل العمومي يقوم على أنظمة مدعومة أو مجانية في بعض المدن الأوروبية مثلا ، مما يقلل من الاعتماد على السيارات الخاصة.
كما أن الأوروبيين يعتمدون بشكل كبير على النقل العمومي لأنهم يعتبرونه وسيلة سفر آمنة بالخصوص وممتعة ومريحة وفعالة من حيث التكلفة في كثير من الأحيان والبديل العملي للنقل الخاص في مدن تتطور بشكل متناسق ومتوازن .
وتجدر الإشارة الى أن السلطات الإقليمية بعمالة طنجة-أصيلة قررت تجميد البناء في الشريط الممتد بين جماعات اكزناية والعوامة وطنجة، بسبب شروعها في مشروع استراتيجي ضخم يتعلق بإنشاء قطار حضري وشبكة مواصلات متطورة ستغيّر البنية الحضرية للمدينة.
ويأتي هذا المشروع النموذجي ،حسب ما أعلنت عنه الصحافة المحلية ، بمبادرة من والي جهة طنجة تطوان الحسيمة يونس التازي بعد دراسات متعددة تهدف إلى حل جذري لأشكال السير والجولان بمدينة طنجة ،ويهدف المشروع إلى تحويل طنجة من مدينة تعاني العشوائية في السير والتخطيط العمراني إلى مدينة ذكية ببنية نقل حديثة.
ومن مميزات هذا المشروع ،الذي ستنتهي الأشغال الخاص به قبل متم سنة 2028 وتبلغ كلفته 200 مليار سنتيم، إنشاء قطار حضري بطول يتجاوز 30 كيلومتراً ،وحدد مساره عبر محطة طنجة البالية ومحطة امغوغة وطنجة تيك/عين دالية والمحطة الطرقية الحرارين ومطار ابن بطوطة وملعب ابن بطوطة ،وفق وتيرة رحلة كل 15 دقيقة (4 رحلات/ساعة).
مع الإشارة أيضا الى أن المشروع ،الذي يقود نحو مدينة ذكية ذات بنية حضرية متطورة ، هو مكمّل للحافلات الذكية لتحديث النقل والقضاء على فوضى النقل المزدوج ،ويشمل أيضا توسعة الطريق الدائرية وإنشاء مرافق ومحطات عمومية.


