بقلم محمد الغول
ليلة الخامس عشر إلى السادس عشرا من شهر غشت من العام 1844 للميلاد ، صلت القوات الفرنسية إلى الضفة الشرقية لوادي إيسلي ، الذي كان يشكل آنذاك الحدود الطبيعية مابين التراب الجزائري الذي تحتله فرنسا والتراب المغربي .
القوات الفرنسية كان قوامها حوالي 11 ألف رجل اغلبهم فرنسيون مدعومين برجال القبائل الجزائرية الموالية لفرنسا بقيادة الجنرال بوغاد .
بمجرد وصول هذه القوات ليلا إلى هذا الموقع ، بدأ قادتها في تنظيم صفوفهم ، إستعدادا للمعركة حيث تم تشكيل هذه القوات على شكل مربع ، وضعت وسطه المدافع الحديثة والقوية ، القادة الفرنسيون كانوا يعلمون أنه عبر ظلام الليل ، يعسكر على الضفة الغربية للوادي الشبه جاف مجراه الواسع ، يعسكر الجيش المغربي وكانت نيران المخيم تبدو في الأفق.
معسكر الجيش المغربي كان يتكون من مابين عشرين و خمسة وعشرين ألف مقاتل متطوع من القبائل جلهم فرسان ، طبعا يصعب التحديد الدقيق لعدد الجيش المغربي ل، أن عنصر التطوع يترك ثغرات تتسرب منها أعداد كبيرة عائدة لمداشرها و قبائلها ، وكان الجيش المغربي يقوده محمد إبن السلطان عبد الرحمان .
في الصباح وعند إتضاح الرؤية للجيشين ، ظهرت القوتان لبعضهما البعض بشكل جلي ، فأمر إبن السلطان فرسانه بإقتحام خطوط الجيش الفرنسي المتراصة أمامه ، لتندفع الخيول محملة بالمقاتلين المغاربة المسلحين بالبنادق ، يصوبونها في إتجاه صفوف القوات الفرنسية وهم يصرخون بصيحات الحرب ، ودهش المقاتلون المغاربة وهم يرون غرمائهم لايتزحزحون عن مواقعهم ، رغم الهجمة الشرسة المكونة من أكثر من عشرين ألف فارس ، تتقدم إليهم في موجة غبار كبيرة ، عندما أصبح الفرسان المغاربة على بعد أمتار من الخطوط الفرنسية الأمامية ، إنفجرت في وجههم موجات متتالية من رصاص بنادق مشاة الجيش الفرنسي .
المقاتلون المغاربة الغير متعودون على هذا النوع من القتال ، تفاجئوا وتفرقت صفوفهم وإنقسم الفرسان المغاربة إلى موجتين تحاولان إستعادة زمام الهدوء للعودة إلى الكر مرة أخرى على الصفوف الفرنسية ، التي حافظت على نفس الترتيب والنظام ، قبل أن تبدأ أصوات المدفعية الثقيلة للجيش الفرنسي في صم أذان المقاتلين .
قذائف المدفعية الفرنسية ، تساقطت وسط تجمع فرسان الجيش المغربي متسببة في حالة فوضى عارمة ، وغبار أسود أعمى بصر الجنود والخيول التي هاجت متسببة في مضاعفة الخسائر البشرية في صفوف المحاربين المغاربة ، وكانت ساعات قليلة لا تكمل نصف اليوم كافية لينهزم الجيش المغربي شر هزيمة أمام القوات الفرنسية ، خسر فيها حوالي الألف مقاتل وضعفهم من الجرحى ، إضافة إلى الخسائر في العتاد و الخيول ، ومع تأكد الهزيمة غادر السلطان سريعا المنطقة عائدا إلى عاصمة المغرب آنذاك فاس عبر مدينة تازة ، في حين طارد الجنود الفرنسيون المقاتلين المغاربة الفاريين ، لمنعهم من إعادة التجمع ومعاودة الهجوم ، بعد أن سيطروا على موقع المعسكر المغربي ضواحي مدينة وجدة في منطقة الجرف الأخضر .
في هذه المعركة لم يخسر الفرنسيون إلا عددا قليلا من الجنود لم يتجاوز العشرين منهم خمسة ضباط ، وهو ما إعتبره الفرنسيون إنتصارا عضيما وكبيرا ، على قوة كانوا يحسبون لها ألف حساب قبل هذه الموقعة الكارثية.
القوات الفرنسية البحرية في هذه الأثناء ، كانت تواصل التنقل مابين المدن المغريية الساحلية تقصفها بشدة إنطلاقا من البوارج الحربية ، مطبقة بشكل كامل على التراب المغربي موضحة عزمها على إحتلال كامل التراب المغربي في أقرب وقت .
البوارج الحربية الفرنسية ، بدأت قصفها من طنجة بداية من يوم السادس من شهر غشت من العام 1844 للميلاد ، أي قبل حوالي ستة أيام من تواجه قوات البلدين على وادي إيسلي ، هذا القصف العنيف بحرا على طنجة ، خلف حوالي 155 ضحية في صفوف الساكنة ، توجهت البحرية الفرنسية بعدها جنوبا ، تقصف بإنتظام أغلب المدن المغربية الساحلية دون مقاومة تذكر، لأنه وخال هذه الفترة كانت القوة العسكرية المغريية ، متخلفة عدة وعتادا وتنظيما ، إضافة إلى غياب أي قوة بحرية قادرة على صد العدوان.
هزيمة الجيش المغربي في إيسلي ، كانت ضربة قوية للدولة المغربية المحاصرة بأطماع القوى الإستعمارية ، كما كانت ضربة قاصمة للمقاومة الجزائرية للإستعمار الفرنسي ، التي كان يقودها الأمير عبد القادر ، والذي كان قد حصل على دعم مطلق من طرف السلطان عبد الرحمان منذ تاريخ الخامس من شهر ماي 1839 للميلاد ، حيث أمده بالمال والرجال وسمح له بإستعمال التراب المغربي شرق وجدة قاعدة خلفية للإنطلاق في هجماته ضد الفرنسيين ، هذا الامر كان واحدا من الأسباب التي إستغلتها فرنسا للتقدم بقواتها في إتجاه التراب المغربي ، لتصطدم بالجيش المغربي على ضفاف واد إيسلي .
نتيجة هذه الحرب كانت مكلفة للإستقلال المغربي ، حيث وبعد أقل من سنة بعدها ، أي في العام 1845 للميلاد ، وقع المغرب وفرنسا إتفاقية للا مغنية ، التي كانت ثغراتها ، تترك الحدود المغربية الجزائرية جنوب ثنية الساسي في منطقة فكيك حاليا غامضة وغير دقيقة ، ومن هناك بدأت فرنسا بعدها بسنوات قليلة ، قضم الآراضي المغربية ، لتحتل كامل تراب ولايتي تندوف وبشار و ألحقتها بالتراب الجزائري الذي كانت تحتله منذ 1830 للميلاد ، بعد تاريخ معركة إيسلي بدأت مرحلة صراع مغربي فرنسي طويلة وتلك قصة أخرى نرويها .