بقلم محمد الغول
بعد إنهزام المغرب في معركة إيسلي سنة 1848 ، إعتقدت فرنسا أن يدها أصبحت مطلقة في كامل التراب المغربي ، لتفعل ما تشاء دون حسيب أو رقيب ، خاصة في ضوء تأكدها من ضعف السلطة المركزية المغربية عن القيام بأي رد فعل حقيقي ضد عربدة قواتها في شرق المغرب ، حيث كانت تعد فرنسا العدة لإحتلال كامل التراب المغربي جزءا بعد جزء .
القوات الفرنسية ، بعد توقيع كل من إتفاقية للامغنية وإتفاقية طنجة 1849 ، اللتين أنهتا حالة الحرب مابين المغرب وفرنسا ، إستفادت من الثغرات التي تركتها متعمدة فيها ،خاصة على مستوى تحديد الشريط الحدودي مابين واد تافنا وواد كيس ، و ماتبقى من الشريط الحدودي جنوب فكيك حاليا ، بقيت قواتها تتدخل في التراب المغريي ، إنطلاقا من معسكراتها عند مصب واد كيس، مرات للسلب والنهب فقط ،وخاصة لأغنام المنطقة الشهيرة بنشاطها الرعوي على نطاق واسع ، وفي مرات أخرى لتأديب قبائل مغربية ، ترفض التسليم في آراضيها التي جعلتها إتفاقيات المخزن مع فرنسا ، تصبح وراء الشريط الحدودي ضمن الأراضي الجزائرية المحتلة.
هذه العربدة التي مارستها القوات الفرنسية في المناطق الشرقية ، خاصة في تراب قبائل بني يزناسن حيث أعمال السلب والنهب ، فاقمت من وضعية الفقر والحاجة لدى الساكنة ، الأمر الذي دفعها للتحرك للدفاع عن نفسها ، حيث بدأت مجموعات مسلحة من قبائل بني يزناسن ، تقوم بغارات و مناوشات ، تخلف إصابات وخسائر في الجيش الفرنسي ، لكنها لم تكن مقاومة منظمة ، وإنما كانت ردود فعل فردية ، و لمجموعات متفرقة حيث أن قبائل بني يزناسن، رفضت الإقرار بالإتفاقيات التي وقعها السلطان مع الفرنسيين بعد هزيمة إيسلي ، لأنها تحرمها من آراضيها التاريخية التي تستعملها في الرعي خاصة .
بعد حوالي أربع سنوات من هزيمة إيسلي و عربدة القوات الفرنسية في المنطقة ، بدأت مقاومة قبائل بني يزناسن ورغم الخلافات التقليدية التي تشوب العلاقات القبلية ، تتنظم أكثر فأكثر ، لتندلع عمليات مقاومة منظمة بقيادة محمد المكي رئيس زاوية أولاد سيدي رمضان .
هذه المقاومة إستفزت الفرنسيين ، وهم الذين كانوا يعتقدون بأنهم قاب قوسين أو أدنى من إحتلال المغرب ، فحشد الجنرال دي مونتبوبان قواته في منطقة مصب واد كيس، إستعدادا لحملة عسكرية تاديبية واسعة النطاق ضد قبائل بني يزناسن .
العاشر من شهر أبريل 1852 ، تحرك الجنرال دي مونتبان ، يقود سبعة آلاف رجل ، ألف منهم من الفرسان إضافة إلى فرقة مدفعية ، مكتسحا مناطق بني درار ولمزاوير بالجرف الأحمر و فج الكربوص و أولاد الغازي وأولاد بن عزة بأغبال وسيدي ميمون ، حيث قام بأعمال نهب وسلب واسعة النطاق طيلة النهار قبل أن ينسحب بقواته إلى التراب الجزائري .
الجنرال دي مونتوبان ، حول أعمال السلب والنهب إلى وسيلة إنتقامية ضد القبائل الرافضة للأمر الواقع الإستعماري ، حيث أعاد الكرة آيام 14 و 15 ماي من نفس السنة ، بمناطق أغبال ثم في 15 يونيو من نفس السنة ، قام بنهب مخازن الحبوب لزاوية أولاد سيدي رمضان ، بعدها بآيام في 24 من شهر يونيو 1852 ، أحرقت قواته دواوير أولاد المنكار و أولاد الغازي ، وتم خلالها إحراق المحاصيل في الحقوق ونهب المخزن منها.
هذه الأوضاع إستمرت على هذه الشاكلة ، حوالي ثلاثة اشهر أبريل ، ماي ويونيو ، إستمات خلالها اليزناسيون في الدفاع عن آراضبهم رغم فارق القوة ، خاصة مع إستعمال الفرنسيين لسلاح المدفعية ، مع تعريض الساكنة لتجويع قسري بنهب محاصيلهم وقطعانهم ، فإستنجد أعيان بني يزناس بالسلطة المركزية المخزن والسلطان ، رغم علمهم بعجزه عن إنجادهم ، فكلف السلطان المولى عبد الرحمان قائده محمد عبد الصادق ، بالتفاوض مع الفرنسيين لوقف إعتدائتهم ، وتم ذلك حيث تراجعت القوات الفرنسية إلى شرق واد كيس.
(يتبع)