بقلم محمد الغول
مع حلول سنة 1900 ، كانت فرنسا قد إستكملت إستعدادتها وخططها لإحتلال المغرب ، الأمر الذي كانت قد بدأت تعد له مباشرة بعد تمكنها من إحتلال للجزائر ، وبدأت خططه بعد تحققها من ضعف المخزن المغربي وعجزه عن المواجهة ، خاصة بعد حرب إيسلي ، وقصف طنجة ومدن أخرى ، حيث بدأت فرنسا بفرض إتفاقية مجحفة في حق المغرب ، فرضت من خلالها تغييرات جغرافية ، كما فرضت فيها مصالح وإمتيازات تجارية لفائدة مواطنيها .
التغيرات الجغرافية إستغلتها منفذا لتدخلات عسكرية متكررة، خاصة من الشرق وقضمت خلالها مناطق مغربية ، ضمتها للتراب الجزائري الذي تحتله ، أما الإمتيازات التجارية فإستغلتها لتعزيز تواجدها سواء في طنجة أو الدارالبيضاء ، هذه المدينة التي إعتبرتها فرنسا منفذها الى المغرب ، نضرا لتوفرها على ميناء طبيعي ، يسمح برسو السفن الكبيرة و كذلك لأن جواسيسها العسكريين ، أكدوا لها أن المنطقة يسهل بها تنفيذ إنزال عسكري في أي وقت من السنة .
السلطات الفرنسية ، ونتيجة كل ذلك ،ركزت جهودها التجارية على الدارالبيضاء ، حيث فتح بها تجارها وتبعهم الأوروبيون مراكز تجارية ، حيث نشطت حركة تجارة مع ساكنة منطقة الشاوية شملت إقتناء الحبوب و الصوف منهم ، وتزويدهم بالمواد المصنعة فأصبح ميناء الدارالبيضاء أبرز المراكز التجارية للمغرب .
السلطات الفرنسية، أغرت السلطان آنذاك بقرض لتمويل مشاريع تحويل الميناء إلى ميناء عصري ، وبناء رصيف له سنة 1904 ، حيث أقرضته 80 مليون فرنك فرنسي ، مولتها أبناك فرنسية و فرضت لها في المقابل مراقبين بالجمارك المغربية .
هذه التطورات المتلاحقة وخاصة مع انطلاق أشغال بناء رصيف الميناء و مد سكة حديدية إلى أحد المقالع في محيط المدينة من أجل ذلك ، إضافة إلى جلوس المراقبين الفرنسيين إلى جوار موظفي الجمارك المغاربة بالميناء ، تسببت في تصاعد حالة القلق و الشكوك لدى المغاربة من الأهداف الحقيقية لهذه الحمى الفرنسية بالمدينة .
فرنسا كانت قد ناورت منذ سنة 1900 مع كل الدول الأوروبية التي كانت تبدى أطماعا في المغرب خاصة إنجلترا و إيطاليا كما إسبانيا ، حيث عقدت معها إتفاقات تطلق يدها في المغرب لولا الدخول المفاجئ للقوة الالمانية على الخط سنة 1905، وإستعراضها لقوتها بمدمرات حربية في السواحل المغربية ، معلنة إصرارها عن إستقلال المغرب ، هذا الواقع الجديد فرض على الدول الأوروبية عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء ، هذا المؤتمر الذي كان المخزن المغربي ممثلا فيه وعلى عكس ما كان يرجوه منه ، فقد إنتهى إلى فرض برنامج إصلاحات على السلطان المغربي ، يصب في خندق المصالح الفرنسية ، خاصة مع الدعم الذي أظهرته مختلف الدول الأوروبية لفرنسا نتيجة إتفاقات فيما بينها ، ونتيجة تراجع المانيا عن موقفها السابق ، بعدما أغرتها فرنسا بمصالح إستعمارية في إفريقيا ، المخزن المغربي وجد نفسه مضطرا لتوقيع ميثاق مؤتمر الجزيرة الخضراء ، الذي فعليا كان قد جعله تحت الحماية ، وإن بطريقة ديبلوماسية مواربة .
فرنسا ونتيجة كل هذا الضغط المخطط له ، كانت قد بدأت تحقق هدفها الذي هو خلق حالة إستياء للمغاربة من الإستسلام الواضح للمخزن والسلطان للأجانب ، وخاصة لفرنسا فبدأ تململ واضح في أوساط النخبة المغريية ، كما في أوساط المواطنيين العاديين ، وظهر توجه لمبايعة شقيق السلطان المولى عبد الحفيظ ، وتنحية السلطان المولى عبد العزيز ، وإشتراط الجهاد ضد الأجانب على السلطان الجديد .
في الدار البيضاء ، كان التوتر على أشده منذ شهر ماي من سنة 1907 ، وبدأت تسجل مناوشات ، حيث إجتمعت قبائل الشاوية بتاريخ 28 من شهر يوليوز من سنة 1907 ، وأقرت إرسال وفد عنها إلى قائد الدار البيضاء ، بطلب يتكون من ثلاث نقاط ، وقف أشغال رصيف الميناء ، تخريب السكة الحديدية و طرد المراقبين الفرنسيين من الميناء .
الموقف المتخاذل من طرف قائد وباشا الدارالبيضاء ممثلي السلطان العاجز عن الوقوف في وجه القوة الفرنسية والمهادن لها ، دفع أعيان الشاوية الى اتخاذ قرار بمقاطعة الفرنسيين وبضائعهم ، حيث إنطلق بتاريخ الثلاثين من شهر يوليوز براحون في المدينة ، يطالبون السكان بذلك ويهددونهم في حالة المخالفة ، كما قامت مجموعات من المواطنين المغاربة بتوقيف عمل القطار من خلال وضع ركام من الحجارة على سكته ، وذلك بهدف الضغط على الشركة المشغلة له لوقف عملها .
في حمى تحركات المواطنين المغاربة ، إصطدموا بعمال الشركة في ورش رصيف الميناء نتيجة مشادات مابين الطرفين ، تحولت الى قتال دامي خرب خلاله الغاضبون من المغاربة السكة الحديدية ، وقتلوا حوالي عشرة من العمال الأجانب ، بينهم فرنسيون ومن بينهم سائق وميكانكي القطار اللذين حاولا الإعتداء على مغاربة أوقفوا القطار بإستعمال أسلحة بيضاء .
هذه الأحداث ، جعلت الدار البيضاء على مرجل تغلي ، حيث أرسل القناصل الأوروبيون بالمدينة إلى قائد السلطان ، يحملونه المسئولية على أرواح مواطنيهم ويهددونه بعواقب وخيمة .
السلطان بفاس ، حاول تطييب خواطر السلطات الفرنسية ، مؤكدا لهم أنه مستعد لتقديم التعويضات اللازمة ، وأرسل قوة لضمان الأمن بالمدينة ، كما أمر قواد قبائل الشاوية بتوقيف المشتبه بهم بالتورط في هذه الأحداث ، لكن فرنسا كان لها مسعى آخر، أن تستغل هذه الأحداث لوضع قدمها العسكري بشكل ثابت بالمدينة ، فطالبت المخزن بغض الطرف عن إنزالها قوة عسكرية لها بالمدينة ، وترك أبواب المدينة مفتوحة امامها من جهة البحر.
(يتبع)