مشاهد من طنجة
يوسف شبعة الحضري
مشهد1:
في ذروة الحجر الصحي، لا حديث يومها وبإجماع سواء في القنوات العمومية أو في وسائط التواصل الاجتماعي إلا عن معالم مغرب جديد يتشكل ما بعد كورونا، غير أن قرار الفسح التدريجي للحجر الصحي، كان كفيلا بالرجوع إلى حلمة الماضي بكل قوة، فالفطام صعب على ما يبدو، ومن شب على شيء شاب عليه، فمثلا أقصر الطرق لقضاء الحاجة بالإدارة قبل كورونا كان هو رجل الأمن المرابط ببوابة الإدارة، هذا الأخير كان يعفيك طول الوقوف تحت حر الهجيرة، فهو مفتاح السحري لكل الإدارات سواء الخاصة أو العمومية، هذا الساحر يمكن أن يجود عليك برقم سحري بدل الوقوف بطابور طويل يحول بينك وبين اتمام بقية أشغالك اليومية، نفس الشيء يتكرر اليوم ولكن بفارق بسيط عن الأمس، وهو أن الساحر يحمل بدل عكازه السحري مسدسا لقياس الحرارة، بمعنى أن الحصول على ورقة الساحر صارت تتوقف على مؤشر حرارة جسمك لا تفوق 37 درجة
المشهد2:
عودة إلى ذروة الحجر الصحي، كانت يومها الحملات الأمنية على تصنيع الكمامات شبيهة بالحملات التي باشرتها السطات على مصانع انتاج البلاستيك وقت صدور قرار منع ” الميكة” غير أن قرار التخفيف الجزئي من قيود الحجر الصحي، أعاد هذا النشاط أي صناعة الكمامات وليس البلستيك للواجهة، وصار الحديث عن مدى مطابقات الكمامات للمعايير الصحية من الماضي، حتى أن آخر صيحات خياطة الجلاليب تشترط أن تتوافق مع خرقة الوجه “الكمامة”
هذا دون الحديث عن فرش الكمامة على اختلاف أشكالها وألوانها بالطرقات للبيع بثمن بخس يذكرني المشهد بأحد الباعة بالمدينة القديمة اختطفه الموت دون سابق مرض رحمة الله عليه حيث كان يردد مثل هذه الأيام…كلشي نسيتوه…بلاستيك لحم نسيتوه
المشهد3:
قرأت خلال هذا الأسبوع الذي نودعه، أكثر من مبادرة سياحية أخرها ” يالله للشمال” صاحب هذا الشعار هو المجلس الجهوي للسياحة، غير أن هذا المجلس بدوره يشتغل بنفس العقلية ما قبل كرونا، وهو الانفراد في تبني المبادرات التي تهم قطاعا تضرر حتى العظم دون غيره من القطاعات
ماذا كانت ستخسر سيدة هذا المجلس، لو استمعت لجميع اقتراحات الفاعليين السياحيين قبل رفع شعار يا “الله للشمال” لأن الشمال ببساطة لا يحتاج أصلا لدعاية خلال فصل الصيف، يسوق نفسه بنفسه، في الحقيقة لا أتوقع نجاح المبادرة لأنها جاءت جد متأخرة، وما على المجلس سوى التفكير في تقديم عروض سياحية مغرية في أفق2021 يتم الاشتغال عليها الآن
المشهد4:
عندما رفع صانع تقليدي بفاس فردة ” بلغة” في وجه الجوع، وهو يصرح بأنه يبيعها بثمن لا يساوي حتى ثمن المواد الأولية التي صنعت بها من خيط وجلد وصباغة وتطريز، ويقسم بأغلظ الأيمان أنه باعها بعشرة دراهم، فهو يدق ناقوس أزمة وصلت حد العظم، ليس في فاس بل في المغرب، بطنجة مثلا حول بعض الصناع التقليديين محلاتهم لبيع الخضر كحل وحيد لضمان بقائهم على قيد الحياة أو على قول جورج فلويد وهو يصارع الموت تحت أقدام شرطي أبيض أريد أن أتنفس