المقاهي الثقافية بطنجة الكبرى ،بديل أم علامة تجارية ؟؟؟
إعداد حسن الحداد
انتعشت و انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة المقاهي الثقافية بعدد كبير من المدن المغربية الكبرى والصغرى ، حيث أصبحت قبلة لجمهور واسع من مختلف الأعمار و الفئات ، وسيط بين رواد الثقافة و المعرفة و الفن و مبدعين و كتاب يبحثون عن صدى إبداعهم لدى المتلقي. المقاهي الثقافية هي الخروج بالفعل و الإنتاج الثقافي في خلوة من ضيق و شروط و غلاء القاعات العمومية و صالونات المعارض الخاصة، إلى سعة و حرية الفضاءات العامة المفتوحة ، لإنتاج التوأمة و المصالحة بين الفعل الثقافي و عامة الناس ، لتصبح الثقافة فعلا جماهيريا من خلال أنشطة مباشرة بين الفاعل الثقافي و بين شريحة أوسع من الجمهور رواد المقاهي الثقافية ،و خلق جسور التواصل والاتصال .
المقاهي الثقافية هي بورصة شعبية للفعل و الإنتاج الثقافي و الفني .
وقد تنامت ظاهرة المقاهي الثقافية في السنوات الأخيرة بالمغرب عامة و في طنجة الكبرى خاصة ،كرد فعل على تراجع الدور العضوي الذي كانت تقوم به الفضاءات الثقافية ، والتي تخلت عن دورها لأسباب متعددة منها ما هو ذاتي و ما هو موضوعي في تأطير الشباب و خلق حراك ثقافي بالمدينة ، فطنجة المراكز الثقافية الدولية و طنجة دار الشباب حسنونة و طنجة النادي السينمائي و القاعات السينمائية المتعددة و المختلفة و طنجة المسرح و مسرح الهواة و طنجة الفن و الثقافة و الإبداع و الكرنفال و الأسبوع الثقافي …..قد أصبحت ضمن الزمن الجميل و أرشيف الذكريات باللون الأبيض و الأسود ….فبعدما تحولت قاعات السينما إلى قيساريات و بعدما تم تفويت المرفق الثقافي إلى جمعيات على القياس ووضع تسعيرة لاستغلال القاعات العمومية ، وبعد انتشار مقاهي الشيشا و لتغيير الصورة النمطية عن المقهى ، بأنها ذلك المكان الذي يلجه المدخنون و العاطلون و السماسرة و من يبحثون لهم عن قتل الوقت باللغو و الكلمات المتقاطعة و اللغط و ما لا يفيد من الكلام ،أو متابعة البطولة الإسبانية و الكلاسيكو و ما ينتج من ضوضاء و مشاداة أو تلك المقاهي التي تحولت إلى فضاءات خاصة لاستعمال وسائل التواصل الحديثة من هواتف ذكية و حواسيب و انشغال روادها طيلة النهار في الولوج عبر الويفي للمواقع الاجتماعية و ربط التواصل بمكالمات طويلة ، في خضم هذا السياق انبعثت المقاهي الثقافية لحلحلة الصمت الثقافي بالمدينة .
ففضاء المقهى الثقافي يختلف من مقهى إلى آخر و حسب موقعها و مكانها الاستراتيجي بالمدينة، و تاريخها و صورتها و تداول اسمها، لكل مقهى ثقافي ميزتها التجارية التي تميزها عن باقي المقاهي و ما تمثله لروادها.
فأصل المقاهي الثقافية يعود إلى بعض المقاهي التاريخية التقليدية التي اشتهرت باعتبارها معقلا للأدباء و الشعراء و الفنانين و المثقفين، أدت دورا كبيرا في الحركة الأدبية و الثقافية باعتبارها صلة وصل بين المثقف و السياسي ، و تجدر الإشارة أن بعض الأدباء كتبوا معظم أعمالهم في المقاهي.
إن تجاوب النشطاء و الفعاليات المجتمعية مع أنشطة المقاهي الثقافية في طنجة الكبرى هو دليل على تعطش للفعل الثقافي المتميز ولهذا الإنتاج الثقافي داخل المقاهي عبر تنظيم لقاءات و معارض و تكريمات ،و بعض المقاهي أنشأت مكتبات ووفرت لروادها أرشيف من الكتب للقراءة و تبادلها، هذا مما يجعلها فضاءات شعبية في خدمة الثقافة و المعرفة و التنمية.
و في سياق المساءلة و الرصد للمقاهي الثقافية و شيوع الظاهرة يبقى السؤال :
هل المقاهي الثقافية بديل للفضاءات الثقافية التقليدية العمومية و قاعات المعارض الخاصة ؟ أم أنها تشكل حركة تمرد على منتوج الثقافي السائد؟؟؟ أم أنها مكمل للفضاء العمومي في الترويج للفعل الثقافي و الفني ؟؟؟ أم أنها أصبحت علامة تجارية للاستثمار؟؟؟
لتقريب الرؤية لقرائنا حاورنا مجموعة من رواد المقاهي الثقافية حول نشأتها و خصوصيتها و أدوارها و أفاقها؟؟؟
أكدت لنا الأستاذة خ ج ، مازالت في طنجة المقاهي الثقافية لم تصل بعد لتحقيق ذلك الإشعاع المطلوب منها بالمقارنة مع تجربة الرباط أو مراكش…أولا في مدن أخرى تم احتضانهم من طرف مؤسسات و منظمات عمومية كاتحاد كتاب المغرب مثلا. لأن المقاهي الثقافية في الواقع هي صيرورة تراكمية للصالون الأدبي، للأسف هذا الأخير لم تنجح تجربته بطنجة ، بالإضافة إلى تجربة صالون مكتبة التي تلعب دور بيع الكتب و قاعة عروض و المعارض، تجارب كثيرة سبقت ظاهرة المقاهي الثقافية بطنجة هناك محاولة إعطاء الصبغة الثقافية لبعض المقاهي لا علاقة لها بالإنتاج الثقافي كمقهى الحافة ، من جهة أخرى تموقعها الجغرافي ثم عدم تخصصها في مجال ثقافي أو فني معين ، لكن تبقى ظاهرة إيجابية لتحريك الجمود و فك الحصار عن الإنتاج الثقافي ، فالمقاهي الثقافية هي شكل من أشكال تكسير القيود.
أما الناشط م ب يعتبر الظاهرة نجم لامع في سماء مظلمة ملوثة بدخان الشيشا و ضوضاء الكلاسيكو، هي فضاء للاستمتاع بجو مختلف رغم قلة الأنشطة التي تعرضها و تقدمها لروادها ، و حسب قوله تغيب التجربة و الخبرة لدى ملاكها لتدبيرها و تطويرها، يقول بطنجة يصعب تحديد معنى المقهى الثقافي ، فالبعض يرى أن مقهى الحنفطة مقهى ثقافي بامتياز وأن المقاهي الثقافية عليها أسبوعيا أن تقدم نشاط ثقافي معين بين توقيع كتاب أو تنظيم لقاء مع مفكر أو سياسي أو فنان …بين هذا و ذاك يبقى التميز واضحا بينهم و بين المقاهي التقليدية و العصرية .
أما الأستاذ ك م أكد لنا أن المثقف و المبدع و الفنان و الأديب و السياسي له دور كبير في إشعاع هذا النوع من الفضاءات ، عليهم بالانفتاح و الخروج من الصالونات المكيفة و الفنادق المصنفة، كما على أصحاب المقاهي الثقافية الاستثمار في الإشعاع الثقافي لإنتاج الكيف و النوع و التميز ،لجعل المقاهي الثقافية بديل حقيقي و محفز فعلي لمثقف و الفنان
و المبدع الناشئ و المشهور عليهم الانفتاح على النخبة و الفعاليات المحلية و الاهتمام بالطلبة لتعويم و تعميم و ترسيخ الثقافة و الفن البديل في زمن تسليع المرفق و الإبداع.
أما الأستاذ م ع ط الباحث في التاريخ و الحضارة يقول: ما أحوجنا فعلا إلى مقاهي ثقافية ،، خاصة في زمن العزوف عن القراءة والكتاب، وهيمنة التكنولوجيا الرقمية .. فرغم وجود مقاهي ثقافية لا تتعدى أصابع اليد الواحدة بطنجة على سبيل المثال ، نجد أنها في الغالب الأعم لا ترتقي بأهدافها التنويرية والفكرية، وهذا الأمر لا يبخس عمل المقاهي الثقافية بقدر ما يدعو إلى إعطائها المكانة التي تستحقها، فبالتأكيد ساهم هذا النوع من المقاهي في إعطاء دينامية جديدة للفعل الثقافي. لكن الأمر سيكون أفضل مع برنامج سنوي منفتح على إبداعات أخرى كالزجل والشعر والمسرح الحر وغيرها من أصناف الإبداع الأدبي والتعبيري، إضافة إلى ضرورة توفير الدعم المالي، لأن أكبر مشاكل المقاهي الثقافية يظل في ضعف إقبال الجمهور.. ونحن نعلم يقينا أن الاستثمار في الثقافة ليس أمرا هينا.