محمد الغول يكتب :”تجارة سامة”
عندما تقرأ العنوان فوق ، قد يتبادر إلى ذهنك مباشرة ، تجارة المخدرات بكل أنواعها و أشكالها ، أو قد تفهم المعنى الحرفي للسموم ، لكن الأمر لا يتعلق بذلك فقط ، هناك تجارة عالمية للسموم أخطر من ذلك ، بإعتبار آثارها الشاملة و الطويلة المدى على البيئة ، يتعلق الأمر بتجارة المخلفات الصلبة بكل تداعياتها البيئية الخطيرة ، هذه التجارة التي قد تستهين بها إسما ، لكن واقعا هي تحرك مئات مليارات الدولارات ، تجعل كثيرا من الدول الفقيرة والهشة أو ذات التشريعات المتساهلة في آسيا و إفريقيا ، سوقا و مُسْتَقِبِلاَ كبيرا لها ، تغض السلطات النظر عنها ، و تبقى أصوات نشطاء البيئة أضعف من أن تغير في هذا الواقع شيئا .
التجارة العالمية للمخلفات و نتيجة لخطورتها ، ينظمها إتفاق دولي دخل حيز التطبيق العام 1992، المغرب من بين الدول الموقعة على هذا الإتفاق ، و المغرب من الدول المستورة منذ سنوات لمئات الالاف من الأطنان من المخلفات الصلبة للإستعمال الصناعي ، كانت تمر في صمت حتى إنفجرت قضية المخلفات الايطالية المستورة لإستعمالها كطاقة في مصانع الإسمنت ، وما خلفته من جدل وغضب لدى الرأي العام و نشطاء البيئة ، دفعت الحكومة آنذاك للإنحناء للعاصفة و الحديث عن توقيف إستيراد هذا النوع من الشحنات و تشديد الإجراءات والقوانين .
توقيف هذه الواردات تأكد بأنه كان مجرد كلام فارغ ، بل أن هذه الواردات تعززت وتطورت و البلاغ الحكومي الأخير يؤكد المؤكد فقط ، لكن الخطير ليس إستمرار هذه الواردات ( غير المسمومة ) حسب تأكيدات الحكومة ، بل إستحالة التأكد من عدم خطورتها في ضوء المافيا العالمية المهيمنة على هذا النوع من التجارة ، أعود هنا للنفايات الايطالية ، الكل يعرف أن هذه الصناعة في إيطاليا ، تهيمن عليها المافيا بنسبة كبيرة جدا ، و الدول المتقدمة تغض النظر عن تصدير هذه المخلفات ، حتى عندما تكون غير مطابقة للمواصفات ، مسمومة أو مشعة ، لأن ذلك في مصلحتها و يجنبها تحمل مصاريف ومسئوليات أمام رأيها العام الحساس جدا تجاه القضايا البيئية ، الخلاصة أن المغرب معرض لكل أنواع المخاطر عند سماحه بهذا النوع من الإستيراد ، مهما تحدث عن الرقابة و تشديد القوانين والإجراءات .
جزء آخر مسكوت عنه في هذه المعادلة ، إذا كان إستيراد هذا النوع من النفايات ضروريا للصناعة ، فلماذا التوجه للإستيراد و نحن بلد منتج لمئات الالاف من الأطنان من النفايات المنزلية و الصناعية ، وحديث الحكومة على عدم كفاية الانتاج الوطني ، كلام غير دقيق ، المشكلة في النفايات المغربية هو عدم تثمينها ، فإستعمالها الصناعي يحتاج إستثمارات على مستوى التصنيف و التجفيف ، الأمر يحتاج مصانع متخصصة و هذه لا توجد على طول خريطة هذا الوطن ، مايترك الباب مفتوحا أمام مخاطر حقيقية ، مخاطر إستيراد النفايات و ما يتضمنه ذلك من إحتمالات تسرب مخلفات سامة ومشعة ، إضافة إلى الكلفة الاقتصادية والمادية لذلك ، و المخاطر البيئية لإستمرار التعامل مع النفايات المحلية بنفس الطريقة التقليدية في غياب أي مخطط إستراتيجي واضح لتغير هذا الواقع ، لما لا بشراكة مع القطاع الخاص ، خاصة أننا هنا نتحدث عن إستثمارات مربحة ، و إلا لماذا الإستيراد وبهذه الكثافة المخيفة .
محمد الغول
mohamed_elghoul@hotmail.com