شاطارا.. بقايا إنسانية
لا يطلق على المسرح أب الفنون هكذا إعتباطا ، بل لأنه فن إنساني راقي قادر على نقل الأحاسيس البشرية بصدق مباشر كذبذات لا مرئية من على الركح الى المتلقي ، من الممثل الى المشاهد ، و لهذا السبب كذلك إرتبط المسرح بالفلسفة و المعرفة و نقلها لدى الإغريق ، هذه المعطيات تترسخ لدي كلما إستمتعت بدرس مسرحي ( مسرحية ) راقية و هذا ما حدث لي مع مسرحية ” شاطارا ” لفرقة المسرح ثيفسوين و إخراج المبدع أمين ناسور.
المسرحية إبداع بلا حدود في نقل معاناة المرأة عبر ثلاث قصص نسائية ( ربيعة ، فيولا ، طاليا ) ، القصص الثلاثة مأسوية الى حد مؤلم، تنقل معاناة المرأة في صورها ليست فقط المحلية بل العالمية ، معاناتها مع الاستغلال الجنسي ، الاستعباد ، الهجرة ، اللجوء ، تزويج القاصرات ، الوفاة عند الولادة ، الكراهية ، التهميش ، الإقصاء ، السلطوية ، اليتم ، الحروب … هي قصص قد تعيشها أي إمرأة في أي موقع من العالم ، و كان المخرج ذكيا في تقديم إشارات واضحة لأحداث عالمية ، من قبيل تورط عناصر القبعات الزرق في الاستغلال الجنسي للنساء في إفريقيا ، الو اقع المأسوي للمرأة الشرقية ( السورية خاصة ) بعد الحرب مع الهجرة و اللجوء ، في حين تبدو قصة ربيعة كأنها قادمة للتو من عمق المناطق النائية لهذا الوطن ( الأطلس ) حيث البيئة قاسية و الخدمات الصحية منعدمة ، و معدلات الوفيات لدى الولادة ، تتحدث عن نفسها ، لكني أعود و أؤكد أنها صور مشتركة لمعاناة المرأة عبر كل أحزمة الفقر و الجهل عبر العالم .
قد تبدو هذه القصص معتادة و مكرورة ، لكن هنا تكمن قوة المسرح ، إيصال الرسالة بشكل صادم ومؤثر ، وهنا كانت التعبيرات الجسدية و المؤثرات المستخدمة و التعابير اللفظية في ” شاطارا ” فعالة في توتير أذهان المشاهدين و شحذ حواسهم ، و إستنهاض نيترونات التفكير فيهم ، وطرح السؤال الجدلي الأهم في الوجود البشري ، لماذا هكذا ؟ و ليس هكذا ؟ ، إستعمال السجائر المشتعلة و رمادها المتساقط في إيحاء بحياوات نسائية تحترق رمادا يذهب هباءا ، و زنازن زجاجية ، تحيل على أجساد نسائية جميلة محبوسة للإستعراض و حياة معولبة في صناديق ، و كابينات هاتف بدون خطوط و لا مهَاتَفِ ، ورغم مأسوية التعابير و سوداوية المشاهد ، لا يفتأ المشاهد ، يقرأ لفتات تحيل على إستمرار الأمل قائما ، من خلال ومضات ضوء ، قليل من الفرح ، بعض من البهجة ، مع دوران الحياة ، و صمود الحب و نضال الأمومة و أحلام شقية و ولادات من رحم المعاناة ، إنها بإختصار ” شاطارا ” مسرحية مغلفة في ظرف طرد ملغم متفجر بمأساة المرأة نعم ، لكنها في الحقيقة مأساة الإنسانية نفسها و صادق هو عنوان ” شاطارا ” المحيل في الدارجة المغربية كما في اللغة الاسبانية على البقايا التافهة الملقاة ، فعلا ما نعيشه اليوم هو بقايا ” شاطارا ” الإنسانية في مأساتها ، و انقراض مناقب النبل البشري ، الحب ، الصدق ، التضامن … فقط الأمل يبقى الحاجز الأخير لتآكل نهائي ” للشاطارا ” البشرية ، فألف شكر ” ثيفسوين ” على درس الانسانية هذا .
محمد الغول
mohamed_elghoul@ Hotmail. Com