حوار: حسن الحداد
أثارت المسيرة الجهوية النسائية التي نظمت احتفالا باليوم العالمي للمرأة، جدلا واسعا في شبكة التواصل الاجتماعي الفايسبوك ، بين معارضين و مؤيدين فيما يخص الشعارات التي رفعت من طرف المشاركات و الفعاليات المدنية والحقوقية المشاركة في المسيرة ، وتجدر الإشارة أن المسيرة انطلقت من ساحة 9 أبريل واختتمت بساحة الأمم حيث نظمت رقصة جسدت الشعار الأممي و ألقيت الكلمة الختامية للمسيرة التي كان شعارها:
“جميعا من أجل كافة الحقوق الإنسانية و الحريات الفردية للنساء”
و لتقريب المسيرة من الداخل شكلا و مضمونا لقراء موقع “365يوم”، استضفنا الأستاذة سعاد الشنتوف عضوة اللجنة التنظيمية عن جمعية “نبادر مع النساء” و عضوة بارزة في “دينامية حقوق النساء بطنجة” عبر هذا الحوار:
سؤال :لأول مرة تشهد طنجة مسيرة جهوية بهذا الحجم والتنظيم والنوع في الشعارات ؟ ما هي أسباب التفكير في تنظيمها وما هو سياقها ؟
جواب: السؤال بين مكونات دينامية حقوق النساء بطنجة ، منذ التأسيس عشية قضية هاجر الريسوني،كان هو كيف نحافظ على ترسيخ وهج التنسيق بيننا محليا وجهويا . انطلاقا من قناعتنا أن المحلي والجهوي على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة يزخر بطاقات تتوفر على تجربة لا يستهان بها في مجال الترافع عن الحقوق الإنسانية للنساء . ترسخت لدينا قناعة مشتركة بأهمية ضرورة إطلاق مبادرات ، نتمثل أفقها يتجاوز الجهة، لأنها مبادرات في تناغم مع أولويات النضال النسائي وطنيا . العريضة الإلكترونية حول “جسدي حريتي” جعلتنا بعد تقييم أولي داخلي على مستوى “دينامية حقوق النساء بطنجة” نخلص إلى أن ثقافة تبني و مساندة المبادرات المحلية والجهوية مازالت متعثرة. وهذا طبيعي بالنظر إلى أن الأصوات المحلية و الجهوية – تاريخيا في حضور مركزية الدولة القوية – كانت ضعيفة وباهتة، الأمر طبعا الذي انعكس على كل المؤسسات بما فيها المدنية مع ضرورة بعض الاستثناءات بالنسبة للحركة النسائية مثال “السيدة الحرة” في جهة طنجة تطوان الحسيمة التي استطاعت أن تنغرس في التربة المحلية الجهوية وتؤسس لهويتها انطلاقا من المحلي دون أن تتخلى عن التواجد بقوة في المبادرات الوطنية.
إذن في ظل هذا النقاش ونحن نضع خطة عملنا وبموازاة مع النداء العالمي لمسيرة نسائية يوم ثامن مارس ومع استحضارنا للتراجعات التي تشوب تفعيل مجموعة من القوانين التي تهم الحقوق الإنسانية للنساء ومع استحضارنا أيضا لتنامي الروح العدائية اتجاه مطالب النساء واستسهال جرائم الاغتصاب اتجاه النساء وخفة الأحكام المتعلقة بشكايات العنف اتجاه النساء والهجمة التي طالت النساء بعد نشر الفيديو التجريبي الأول للنشيد النسائي المغربي ، ومع استحضارنا للتمييع الذي لحق تخليد اليوم العالمي للمرأة من طرف جهات عدة حتى تم تفرغه من رمزيته وزخمه النضالي على اعتبار أنه يوم مساءلة للسياسات العمومية وليس يوما لتسويق منتوجات على حساب قضية النساء. و أشير هنا إلى إشهار المؤسسات البنكية وغيرها ، قررنا ضرورة رفع التحدي على عدة مستويات منها إعادة الاعتبار لرمزية اليوم العالمي للمرأة على اعتبار أنه يوم مطالبة بالكشف عن ما حققته الدول من خلال التدابير التي أقرتها للنهوض بحقوق النساء، رفع التحدي أمام الهجوم الشرس الذي تعيشه المترافعات على حقوق النساء وذلك بإعلاء أصوات النساء عبر تنظيم مسيرة مساءلة للسياسات العمومية الوطنية والجهوية والمحلية، الأمر الذي عكسته شعارات المسيرة التي رددناها، وعكسته أيضا اللافتات المرفوعة ، التنسيق مع دينامكية جسدي حريتي تطوان كان منذ البداية و معا كديناميتين قررنا أن نخلد ثامن مارس عبر مسيرة نسائية جهوية منفتحة على الوطني بكل مكوناته التي تساند الحقوق النسائية للنساء وعلى رأس القائمة الجمعيات النسائية.
فالتحدي كان هو أن ننجح المسيرة، الأمر الذي تطلب منا عملا مكثفا تم فيه تواصل كبير وتعبئة مستمرة مع مكونات المجتمع المدني على مستوى الجهة ، الأمر الذي تكلل بمشاركة لكل مدن الجهة في التظاهرة بل أيضا مشاركة جماعات قروية وأيضا ساهمت بعض الجماعات الترابية بتوفير النقل للنساء الراغبات في المشاركة.
سؤال :ما هو تقييمك للسياسات العمومية عامة والمحلية منها وقضية المرأة ومقاربة النوع ؟
جواب: يجب الإقرار أن التشريعات والقوانين تم فيها تقدم على مستوى رفع التمييز وإقرار تدابير للنهوض بأوضاع النساء ، لكن على مستوى السياسات العمومية هناك إشكال يتعلق أولا بمنظومة فساد كبيرة مستشرية تفرغ كل التدابير من فعاليتها. و إلا كيف نفهم إطلاق سراح الكويتي مغتصب طفلة مراكش ، ثم بالنسبة للسياسات العمومية المتعلقة بالنساء هناك عقلية محافظة لدى الموكول إليهم تنفيذ القوانين، فرقم زواج القاصرات مؤشر مهم ، صورة المرأة في الإعلام المرئي والسمعي ترسخ التمثلات والصور النمطية ، على مستوى الصحة الإنجابية، أين هي خدمات القرب؟ وكم عدد النسوة اللواتي يستطعن تتبع الحمل ؟ وماذا تعد السياسة العمومية في مجال الصحة بالنسبة للنساء بعد سن الخصوبة…؟ الهدر المدرسي ، أيضا القطاع الوزاري المسؤول عن النساء هل يكفي أن يقدم إحصائيات عن تنامي ظاهرة العنف اتجاه النساء؟ أين مراكز التكفل ؟ فلا يمكن للجمعيات أن تقوم مقام الدولة في هذا الشأن ، أما الجماعات الترابية فذاك أمر آخر. أين هو التشخيص المتعلق بفجوات النوع ترابيا لتتمكن الجماعات من بلورة تدابير محلية تدخل في اختصاصاتها لتقليص الفجوات ؟ أين هي مقترحات هيئة تكافؤ الفرص والمساواة كعين النوع اليقظة ؟ فقضايا النساء هي مطية للوصول إلى مراكز القرار محليا ، النساء يتم استغلالهن ككم انتخابي فقط. النساء محرومات من أي نظام حماية اجتماعية بالرغم من أنهن ينهضن بكل قطاع. فاقتصاد الرعاية الاجتماعية وإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط كفيلة بأن تجعلنا نقف عند درجة الحيف التي يعشنها في ظل عدم الاعتراف بالعمل اللامرئي الذي يقمن به .هل يمكن اعتبار بطاقة راميد ومنحة الأرملة ضامنا لعتبة حماية اجتماعية في حدها الاقصى ؟ للأسف نهائيا لا يمكن ذلك. والأمثلة متعددة انطلاقا من الأرامل الأمهات العازبات المطلقات اللواتي يعانين من تنفيذ أحكام النفقة الخ.
النوع في السياسات العمومية؟ في النهاية تبقى تدابير تقنية مادمنا لا نشتغل على ترسيخ ثقافة المساواة عبر الكتاب المدرسي والإعلام ، تبني مقاربة النوع هو العمل على قيادة التغيير لترسيخ نظرة أخرى للعلاقات بين الرجال والنساء هو خلخلة للصور النمطية عن الرجولة وعن الأدوار لكل من الرجال والنساء أين نحن من هذا ؟
سأخلص لأقول أن هناك غياب حقيقي للإرادة السياسية في هذا المجال مما يجعلنا عبر لغة المؤشرات في أسفل الترتيب على كل المستويات.
سؤال :ما هي أهم مطالب الحركة النسائية مرحليا ؟
جواب: أولا أود هنا أن أشير لأمر مهم وهو أن الحقوق الإنسانية للنساء غير قابلة للتجزيء إذن غير قابلة للتراتبية على مستوى المطالب ، الآن نحن أمام مجموعة من حقول ومجالات الإصلاح المتداخلة فيما بينها كما كان الأمر دائما، نظرا لأن الحق غير قابل للتجزيء كما أشرت ، الآن ورش القانون الجنائي جد مهم بالنسبة للحركة النسائية لأنه مرتبط بفلسفة التشريع في مجال السياسة الجنائية ، هل سننجح في التأسيس لسياسة عمومية جنائية مبنية على مبدأ الحق و قيم الحرية ؟ أم أننا سنستمر في مصادرة حرية النساء على أسمى ما يمتلكنه؟ وهو حرية القرار في التصرف بجسدهن والمتعلقة أساسا بمتى يقررن الحمل ومتى يقررن إيقافه، إذا كان حملا لا إراديا غير مرغوب فيه ،ثم هناك الجانب المتعلق بالعلاقات بين الراشدين التي هي شيء موجود في الواقع لم نحافظ على بند قانوني لا يعكس واقع المغاربة لم لا نقلص من هذه السكيزوفرينيا ، ماذا يضر المجتمع في ذلك ، لايمكن أن نترك رقابة البطريياركا سيف على عنوقنا خاصة ونحن في زمن تنامي الزجر الذي ترافقه دائما تنامي الذكورية المستبدة.
أولوية الأجندة النسائية أيضا بالنسبة لي هو الحماية الاجتماعية للنساء ، لم لا تعترف البطريكية باقتصاد الرعاية التي تقوم به النساء والذي له مساهمة مهمة في الناتج الداخلي الخام ، أية حماية توفر السياسات العمومية لعاملات الظل ، البطريكية التي لا تعترف إلا باقتصاد السوق وهنا معركة النسائيات.
سؤال: ماهي انطباعات الحركة النسائية في نظرك من الردود والتشويهات لشعارات المعركة النضالية الحقوقية من أجل المرأة ؟ يقال إن شعارات من قبيل “جسدي حريتي” و”المغتصب هو أنت” هل تمثل هوية وثقافة المغاربة ؟ …..
جواب: لم تفاجئنا الردود العنيفة اتجاه الفيديو ولا اتجاه مطلب الحريات الفردية للنساء والمتمثلة في حرية تملك الجسد عبر حرية القرار في كل ما يتعلق بالجسد ، هي ردود تعكس عقلية المغاربة وسكيزوفرانية وانفصام مجتمع يمارس في الخفاء شيئا ويناهضه علانية ، هي تعكس صميم ممارسة المغاربة، ينهون عن المنكر فقط عندما يتعلق الأمر بالنساء ولا يناهضون الفساد والغش المستشري والذي يعيق أي عملية إقلاع حقيقية.
انطباعي شخصيا هو أنه أمامنا عمل كبير علينا أن نتسلح فيه بالنفس الطويل وبالأدوات المعرفية الضرورية لخوض المعركة، معركة التنوير من أجل انتزاع حق من حقوقنا الأساسية الأكثر حميمية والتصاقا بنا وهو حرية تملك الجسد.
شعار “المغتصب هو أنت” تعكس صورة حقيقية للمشهد، استحضر مرة أخرى قضية قاصر مراكش من الذي اغتصب حقها بعد أن اغتصبها الكويتي.
عقلية مجتمعية تدينها قبل القضاء ، دولة عبر مؤسساتها لم تحافظ لها على كرامتها عبر ضمان حمايتها، تساهل مع الجاني وتسهيل إفلاته من العقاب عبر تدابير مستخفة بالجريمة
أليس هذا اغتصابا مؤسساتيا للحق ؟
سؤال :ألا ترين أن أولوية النساء في المغرب تتجاوز بعض الشعارات المرفوعة لتصل إلى الكرامة والصحة والتشغيل والتعليم وغيرها؟
جواب: سأعود لأذكر أنه في مجال الحقوق لا مجال للتجزيء و التراتبية، الحقوق جزء لا يتجزأ ، وأعود أيضا لأوضح الحقوق الفردية للنساء هي عنوان كرامتهن لأنها عنوان انعتاقهن من طوق الذكورية التي لا تعترف بمساهماتهن ، تعتبرهن مجرد وعاء يجب مراقبته و التحكم فيه لأنه يضمن استمرارية السلالة الإنسانية ، الأمر كما ترى جد معقد من يعتبر أن الحريات الفردية للنساء ترف وليس أولوية من يفصلها عن الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ليس نسائيا أو لا يستوعب الفكر النسائي في كل أبعاده المترابطة , لا يمكن أن أحس أنني أتمتع بحق وأنا بأغلال ،هنا سأفتح قوسا لأقول أن ورش الاشتغال على الذكورة الايجابية مهم ومستعجل لأنه يفتح إمكانية تصور عالم آخر يتناغم فيه الرجال والنساء على حد سواء بالتمتع بالحرية الفردية في القضايا المتعلقة بالجسد، وهو الأمر الذي ترفضه وتحرمه الذكورية وعبرها سلطة الاستبداد على النساء.
سؤال: شكرا لتفاعلك، فبعد النجاح الباهر للمسيرة الجهوية لك كلمة حرة
جواب: أولا شكرا لكم لأنكم أتحتم لنا فرصة للتعريف بالدينامية وعملها وآفاق الاشتغال وهو المطلوب في الإعلام المحلي والجهوي لإعلاء صوت الجهوي والمحلي من أجل نقاش عمومي يتميز بالتنوع.
نجاح المسيرة هو نجاح للإصرار والعزم على إعلاء صوت النضال النسائي، فأود بالمناسبة أن أحيي عاليا وأشد على أيادي الرائعات في دينامية الحقوق الإنسانية للنساء بطنجة على روح التضحية العالية التي أبدينها دون استثناء من أجل نجاح المسيرة. كانت تضحية بالوقت وكانت تضحية مادية أيضا لتوفير كل ما تحتاجه الترتيبات من لوجيستيك ، سررت أثناء التحضير بتواجد الشابات، هن الغد وهن الاستمرارية ، شابات لهن قوة اقتراحية ويعملن دون كلل يواظبن على حضور اجتماعات التحضير الماراطونية.
نجاح المسيرة هو أيضا دعوة لنا كنسائيات للاشتغال على إشعاع الفكر النسائي ونحث معالم معركتنا وتوحيد جهودنا محليا جهويا ووطنيا ، معركة النسائيات تتطلب تكتلا وجبهة قوية لأننا أمام نظام بطريكي موغل في القدم ،أساليبه الملتوية لإفراغ معركتنا من زخمها النضالي متعددة ..اليقظة هي سلاحنا لكي لا يتم احتواء القضية وتوظيفها ، اليقظة ضرورية حتى لا تفرغ المؤسسة القضية النسائية من عمقها وماهيتها.
الفكر النسائي هو فكر التغيير لذلك مهمتنا ليست سهلة ، النسائيات والنسائيون مدعوون للاشتغال جنبا إلى جنب من أجل المساواة الفعلية بين الرجال والنساء.