حروبنا تاريخنا : حرب كبدانة -تتمة-
بقلم محمد الغول
الحاكم العسكري لثغر مليلية ماراغايو، إستشاط غضبا ، معتبرا ما يقع إهانة شخصية لسمعته العسكرية ، فقرر الخروج بنفسه لتقدم قواته المهاجمة ، فكان ذلك بتاريخ 27 أكتوبر 1893 للميلاد ، الجنرال ماراغايو ومساعده الجنرال أورتيغا على رأس قوة مهمة ، تقدم إلى منطقة المعازيز في محيط المدينة ، و لدى وصول خبر خروج الجنرال ماراغايو شخصيا بقوته، تحفز المقاومون حاشدين قواتهم ، وشنوا هجوما واسع النطاق ، إستمرت معاركه شرسة طيلة يومين كاملين 27 و 28 من شهر أكتوبر ، مخلفة سقوط أعداد كبيرة من القتلى ، كان بينهم الجنرال مارغايو نفسه ، الذي أصيب بطلقة قاتلة اثناء هذا القتال الشرس ، فتراجعت القوات الإسبانية الى تحصيناتها القديمة منهزمة .
وصول خبر مقتل الحاكم العسكري لثغر مليلية الجنرال مارغايو إلى العاصمة الإسبانية مدريد ، دفع بوزارة الدفاع الى إعلان النفير ، وحشد قواتها لتعزيز ثغر مليلية ، خوفا من تمكن المقاومين من دخول المدينة .
السلطان الحسن الأول عندما وصله تهديد ووعيد السلطات الإسبانية ، وخبر حشدها لقواتها ، سارع بمراسلتها في محاولة لتهدئة الأوضاع ، مؤكدا لها أنه سيقوم بمعاقبة القبائل المهاجمة ، وفعلا أرسل السلطان الحسن الأول عددا من قواته ، يقودها شقيقه المولى عرفة ، الذي وصل المنطقة بتاريخ العشرين من شهر نونبر من سنة 1893 ، مستهلا سلسلة من اللقاءات مع القواد الإسبان في لثغر مليلية ، كما مع أعيان القبائل في المنطقة .
القواد الإسبان ، طالبوه خلال هذه اللقاءات بضرورة إعتقال عدد من القادة الريفيين ، يعتبرونهم مسئولين عن الأحداث الأخيرة ، شقيق السلطان المولى عرفة ، إستسلم لضغوطهم ،خاصة أنه كان عاجزا عسكريا عن فعل أي شيئ في وجه القوة العسكرية الإسبانية ، التي بدأ حشودها تصل بحرا إلى الثغر ، فقام بإعتقال عدد من القادة الريفييت ، بينهم ميمون المختار ومحمد بن الهادي الشكري و حمو العربي و علي الروبيو وآخرون ، نقل بعضهم إلى طنجة لمحاكمته ، وآخرون إلى سجون سلطانية أخرى ومنها سجن وجدة .
القواد الإسبان وبعد تأكدهم من غياب قادة المقاومة ، بدأو الإنتقام لقتلاهم بطريقة غادرة ، حيث شنوا هجوما مفاجئا ، مستغلين أجواء المفاوضات ، وإعتقال القادة وهدوء الأجواء عموما ، ليفاجئوا ساكنة المناطق المجاورة خاصة في كبدانة ، بهجوم إستعملوا فيه مختلف أنواع أسلحتهم وعلى رأسها المدافع ، حيث هدموا مداشر بكاملها محرقين المحاصيل الزراعية ، قاتلين أعدادا كبيرة من العزل كما النساء والاطفال الذين كانوا لوحدهم في مداشرهم غافلين عن هذا الهجوم الغادر ، شقيق السلطان غض نظره عن هذه المجزرة ، لعلى الإسبان يكتفون بذلك ، ويتوقفوا عن باقي مطالبهم الكثيرة والمجحفة ، الإسبان حققوا هدفهم الأساسي من هذه الإعتداءات ، توسيع مساحة ثغر مليلية ، حيث بنوا تحصينات وأسوار جديدة ، وسعت المساحة الجغرافية لمليلية بشكل كبير عن مساحتها الأصلية ، التي لم تكن تتعدى حصنا بحريا صغيرا ، الأمر الذي كان يهدد بعودة التوتر من جديد رغم الهدوء الحذر ، خاصة مع إحساس ساكنة المنطقة ، بأن كرامتهم أهينت ، وتلك حكاية اخرى نرويها .