ليس المهم في قضية اختطاف واغتصاب وقتل ودفن الطفل عدنان مَن فك لغز الجريمة ولا من اكتشف مكان دفن الجثة ولا من وضع القميص…، بل من المسؤول عن هذا الفعل الإجرامي الشنيع الذي هز المجتمع بأكمله وأفقد الناس الثقة في من حولهم، و الأهم من ذلك كله كيف تحول المجتمع المغربي المحافظ المتعايش المتآلف إلى شاهد على سلوكات انحرافية خطيرة دون أن يحرك ساكنا أو يتحمل مسؤوليته في رفض ما من شأنه أن ينغص عليه حياته.
لقد أماطت قضية عدنان اللثام عن ظاهرة الذئاب البشرية المتربصة بالأطفال الأبرياء، مستغلة صمت الآباء وتكتمهم عليها خوفا على سمهتم وسمعة أسرهم، وتفاديا لردة فعل مجتمع لا يرحم. مجتمع يدين الضحايا ويلتمس الأعذار للجناة، مجتمع يزوج المغتصَبة رغما عنها لمغتصبها بذريعة سترها ودرءا لما يحسبونه عارا ألحقته بأسرتها . مجتمع ينبذ المغتصَب كونه طرفا في خطيئة مورست عليه مكرها، مجتمع يعاقب الضحية ولا يقوى على معاقبة الجاني. حتى تناسلت الذئاب وتوالدت وانتشرت في الأرض، وكثرت بؤر اغتصاب الطفولة واغتيال البراءة والاستغلال المسكوت عنه للأطفال الصغار في التسول والدعارة والنشل وتوزيع المخدرات وما إلى ذلك، وكاننا نسارع الزمن لبناء جيل من المنحرفين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا وسط محيط موبوء، وسيقوا الى الانحراف مع سبق الإصرار وبلا استئذان.
ويأبى عدنان برحيله المؤلم إلا أن يكسر هذا الطابو الذي ظل مخيفا مند عقود، ففكت عقد ألسن الأطفال الذين تعرضوا للتحرش والإعتداء الجنسي على أيادي الفقهاء والمدرسين والجيران وحتى الأقارب، وكُسّر حاجز الصمت الذي ظل يطبق على أفواه الآباء والأمهات، وسجلت شكايات بمختلف محاكم المملكة ضد ذئاب ظنت أن لا صوت يعلو فوق عوائها، فتحرك القضاء ومعه المجتمع ككل للمطالبة بإحقاق الحق وردع المجرمين، أصوات صراخ من كل بقاع الأرض سمعت، وكلها ردود أفعال ترجمها أخصائيون بغضب وقد تفجر.
حناجر بُحّت وأقلام سال مدادها مطالبة بإنزال أقصى العقوبات على قاتل عدنان وكل قاتل. مطالب لم يسلم أصحابها من نقد لاذع ممن يدافعون عن حقوق الإنسان وحقه في الحياة. فمتى كان الاختلاف في الرأي سبب الخلاف؟ وكيف لا يتقبل أصححاب الفكر والسياسة بالرأي الآخر وهم عنه مدافعون؟ ثم عن أي إنسان يتحدثون وعن أية حقوق؟ وهل كان قاتل عدنان إنسانا؟