حصاد… اليعقوبي… امهيدية “مجنون طنجة”
منذ أول عامل على مدينة طنجة بعد الاستقلال عبد الله كنون، إلى الوالي “امهيدية” تعاقب على طنجة مجموعة من العمال والولاة، غير أن بعضهم بقي موسوما بذاكرة ساكنة المدينة ومن أعلامها، كما هو الحال مع صاحب النبوغ المغربي العلامة عبد الله كنون، الأخير الذي يرجع له الفضل بتخصيص الخيرية الإسلامية برج النعام كمدرسة على غرار باقي مدراس الجاليات الأوربية بطنجة لتعليم أبناء المسلمين، حيث انتهز فرصة زيارة ولي العهد الحسن الثاني يومها للخيرية الإسلامية مباشرة بعد عودته من المنفى، ليطلب منه في كلمة ألقها بين يديه، على ضرورة توفير مدارس تعليمية عصرية، وهو ما وافق عليه الراحل الحسن الثاني مباشرة، ليتم إلحاق مأوى طلبة العلم الشرعي التابع لمسجد الجامع الكبير كمدرسة تابعة للخيرية الإسلامية.
في حين يحضر الوالي محمد حصاد بذاكرة ساكنة المدينة، بالرجل الذي حرر الملك العمومي، حيث يرجع إليه الفضل بتوسعة مجموعة من الطرق مثل شارع بن عبد الله، وكلنا يذكر عندما هدم جزءا من البيت يقع بنفس الشارع، تبين أن مالكه حوله إلى صالة للضيوف كما يرجع له الفضل بتحرير عدة حدائق من سطوة المنحرفين، منها حديقة عين قطيوط، حيث كان مجرد المرور بجوارها يومها يعتبر تحديا، وفي عهده أيضا، تم هدم أسوار حدائق المندوبية وتوسعة شارع إيطاليا، يبقى الحدث الأبرز الذي وسم مرحلة حصاد، يوم نزل ب”شورط” للشاطئ البلدي للاصطياف، مبددا بذلك الشكوك التي تناسلت يومها حول تلوث مياه الشاطئ البلدي
أما الوالي اليعقوبي، اعتبره شخصيا بالوالي الذي ركب رأسه ضدا على اقتراحات المجتمع المدني، فعندما اعترض عليه مجموعة من الناشطين بعدم جدوى غرس أشجار النخيل على طول شارع محمد السادس بفعل عامل الرطوبة، ضرب بجميع الملاحظات عرض الحائط وها هي أشجار “اليعقوبي” تتهاوى في كل مكان، على أن فترة الوالي اليعقوبي ستبقى عالقة بذاكرة طنجة، بظهور زقلط ودعبس وقدري، وهم البلطجية في رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ.
أما الوالي “امهيدية” مجنون طنجة، يبقى الوالي الذي يزور المدينة العتيقة في اليوم أكثر من مرة، بل قد يهم بركوب سيارته بسوق دبرا بعد الانتهاء من زيارته للمدينة، لينزل فجأة من سيارته ليعود من جديد إلى زيارة أحد الأوراش، فيبدو أنه عكس سلفه، يستمع ويأخذ بآراء وملاحظات المجتمع المدني في كثير من القضايا، حيث استجاب لدعوات ترميم مسجد الجامع الجديد، وهو المسجد الذي أغلق في عهد اليعقوبي وبقي مغلقا لأكثر من عشر سنوات، كما عدل عن تحويل حدائق المندوبية إلى مستودع للسيارات، بعد عدة احتجاجات من طرف المجتمع المدني، كما تفاعل مع عملية هدم معلمة حديقة إنجلترا، نفس الشيء بخصوص عملية ترميم المدينة العتيقة، حيث تم العدول عن هدم مجموعة من المحال بدار الدباغ، وإعادة ترميم فسيقة شارع إسبانيا التي أثارت الكثير من اللغط، كما تفاعل مع مجموعة من التجار الذين تعثرت عملية ترميم محالهم التجارية، كما أخذ حتى برأي واجهة المدينة الأبيض
غير أن الحظ كما يقال ابن العاهرة، يخاصم “امهيدية” فما إن انطلقت عملية ترميم المدينة العتيقة حتى هوت بناية سكنية على رؤوس ساكنيها مخلفة ورائها أحد القتلى، كما شهدت المدينة غرق 28عاملا في أسوء حادثة شهدتها طنجة في تاريخها.
غير أن الفارق بين “اليعقوبي” و”امهيدية” أن الأخير لم ينظم موسم “بوعراقية” قط، منذ أن صار واليا على طنجة، وربما هذا هو السر الذي وقف عليه اليعقوبي بنفسه، حيث كان لا يفوت موسم بوعراقية، لذا كان حظه كما يقال ” كايهرس الحجر”.
ومما يحسب للوالي “امهيدية” أنه سلم جميع المؤسسات الثقافية التي سترى النور قريبا بطنجة إلى مؤسسات وطنية، مما يعني ضمان استمراريتها وإشعاعها، وخير شاهد على ذلك متحف فيلا هاريس الذي يضم في أحشائه لوحات لو وزنت ذهبا لرجحت كفة اللوحات.
يوسف شبعة