محمد كويمن العمرتي يكتب :”قبور مبعثرة”
لاهي مساحة خضراء ولاهي روضة خضراء، هي قبوربعثرت، وصارت مهجورة، تخفي جزءا من تاريخ مدينةالبحرين، وتظهر واقعا من حاضر طنجة الكبرى، حينتخلى الأحياء عن صون حرمة الموتى، بعدما أضحىالعبث عنوان تدبير مدينة فشلت في تأهيل قبورها القديمةوالحديثة.
لم يكن يتوقع الموتى، الذين استضافتهم مقبرة بوعراقية،أحد أقدم وأشهر مقابر طنجة المجاورة لمدينتها القديمة،أن تصير قبورهم قبلة للمتسكعين، بعدما لم يعد يزورهم لاقريب و لا غريب، وبعد أن توقعوا حين قررت السلطاتتحويل تلك المنطقة إلى فضاء أخضر مفتوح للعموم،نفض الغبار عن تاريخهم المنسي، وإعادة ملامح مقابرهممن جديد وفق تصميم الحديقة الجديدة، أو على الأقلالتفكير في إجراء يمكن من طمر آثار القبور المتخلىعنها، لجعل الأحياء أولى باستغلال المساحة التي تغطيهاوهي عبارة عن كومة من الأزبال تختلط بالأنقاض، لكن ماوقع أن هذه المقبرة صارت تشكل نقطة سوداء تشوهأوراش التأهيل الحضري المحيطة بها.
لقد أصبحت جل القبور، التي كان يرقد فيها سكان المدينة، من الذين تبركوا بالدفن بمنطقة الولي الصالح بوعراقية، مجهولة النسب، وتعرضت معالمها للتلف والإهمال، وبعضها اتخذها مشردون مأوى لهم، وأخرى تحولت إلى مراحيض، وصار من العار إطلاق عليها اسم قبور المسلمين، إذا ما قارناها بالمقبرة الإنجليزية المتواجد على بعد أمتار قليلة منها وهي محاطة بصور وتضم رفات أجانب عاشوا بالمدينة منذ عهد طنجة الدولية ولا زالت قبورهم صامدة وأنيقة.
لكن، ومع ذلك فإن سكان المدينة يحترمون كثيرا هذه القبور، لأنها كانت سببا في الحفاظ على تلك المنطقة كمتنفس طبيعي بعيدا عن جرافات التعمير، كما حالت مؤخرا دون إنجاز مشروع موقف تحت أرضي للسيارات بجوار مقر المندوبية، ولعلها تحسب في ميزان حسنات الراقدون تحت تراب ذلك الموقع، حين كان لهم دور بعد مرور أزيد من 70 سنة على رحيلهم في وقف زحف الإسمنت ومنع ظهور عمارات سكنية مشوهة للمجال العمراني للمدينة العتيقة، فيما لم يحم “أحياء” اليومحرمة موتى الأمس وعجزوا عن توفير مقبرة تليق بموتىالغد.
محمد كويمن العمرتي