خالد الرابطي يكتب :”أ طنجة وما دار عليك وباقي”
كلما دنونا من مواسم الأعياد وموسم الصيف إلا وانتابنا التخوف من قراراتكتلك التي فرضت على علينا نحن طنجة، والتي أقصتنا من أي متنفسنتنفسه وأبناؤنا خلال عطلة أتت بعد حجر وطوارئ وقرارات كانت تداعياتهاالنفسية أشد على الناس من الإصابة بفيروس كورونا.
ولنتذكر “من وإلى طنجة“، هذه العبارة التي عُنون بها قرار إغلاق المدينةأمام الراغبين في مغادرتها والقادمين إليها خلال الصيف الماضي، باستثناءالحاصلين على رخص استثنائية لأناس استثنائيين طبعا باعتبارها مصنفةضمن المنطقة الثانية، حيث باتت تغوص وساكنتها في متاهات قراراتارتجالية وفجائية لم تنفع معها مطالب الطنجيين بفتح الشواطئ في وجهأبنائهم على الأقل للتخفيف من الآثار النفسية السيئة التي خلفتها شهور منالحجر وسط أربع حيطان في حر الصيف، وفي ظل منع ارتياد المنتزهاتوالحدائق والكورنيش والساحات…
في الصيف الماضي صنفت طنجة ضمن منطقة الحجر الثانية ونُسيت بهارغم تسجيلها تراجعا مهما في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا فيالأسابيع الأخيرة، ولم تنفع مطالب الساكنة وصراخها واحتجاجاتهاالافتراضية في إعادة تصنيفها والتخفيف من الحجر المفروض عليها كماوعدت بذلك الحكومة العثمانية المتخبطة تخبط الأعمى في الظلمة، وصار همّالناس –ليس كل الناس– كيفية اختراق الموانع للوصول إلى شواطئ عجتبالمصطافين من كل بقاع المعمورة، وطاردت لعنة حرف (k) الطنجيين أينماحلو وارتحلوا، بل وصارت طنجة لعنة على كل المدن المغربية وكأنها مصدرالوباء، وبات القادمون منها مرفوضون منبوذون، ونسبت إليهم تهمة نقلونشر الوباء، ووصفت المدينة بأقبح الصفات بعد أن كانت من قَبل جنة مجردالوصول إلى عتباتها حلما يراود الجميع.
هي طنجة، تلك المدينة في الشمال التي تحتضن كل المغاربة وتؤلف بينقلوبهم، تحملت قساوة قرارات السلطات وظلم ذوي القربى من مسؤولين لميذوقوا حجم العذاب الذي ذاقته الطبقة المحجور عليها باسم حالة الطوارئالصحية، والممنوعة من الصرف إلا من الصرف الصحي. هي طنجة ذاتالبحرين المحرَّمَين على حاملي بطاقة وطنية عليها حرف الكاف، والمفتوحينأمام القادمين إليها بلا استئذان في زمن منع التنقل منها وإليها. هي نفسالمدينة التي قال فيها أحد الإعلاميين يوما ” أذهب إلى طنجة وأفعل فيها ماأشاء، ومن لم يرقه ذلك من أبنائها، فأمامه بحرين يشرب من حيث يشاء“. هي نفسها المدينة التي أتاها فارس تفاهة التنشيط الإعلامي الذي أفسدللمغاربة أذواقهم، راكبا على بغلته، مبرزا أسنانه في ابتسامة ساخرةمستفزة لمشاعر أطفال المدينة المحرومين المقهورين وهو يصول ويجول بأحدشواطئها وحاله يقول “لي عندو عندو“!، ثم يخرج رجال السلطة ومعهمأبواقهم ليحثوا ساكنة المدينة على الصبر واحترام التدابير الوقائية وعدممغادرة المنازل إلا للضرورة القصوى..!، وكأن الوباء لا ينتشر إلا بين الفقراءممن ليست لهم يخوث ولا بغال ولا وسطاء.
فبقدر ما ندعوا الطنجيين إلى الاحتراز والحرص على تنفيذ تعليماتالسلطات لتجنب الإصابة بهذا الفيروس اللعين، بقدر ما نتفهم استياءهم ممافرض خلال الصيف الماضي عليهم من حجر وصل حد الحكرة. بقدر ما نعذركل من تهاون منهم وحاول اختراق الحواجز للوصول إلى شواطئ مفرجعنها، فنهنئ من أفلح منهم، ونتأسف لمن فشل وعاد أدراجه خائبا متحسرا. بقدر ما نطالب بالكف عن تحميل المواطن وحده مسؤولية ما وصل إليه الوضعالوبائي بالمدينة، فالمسؤول مسؤول بدوره وبشكل أكبر، وإلا كيف وصل هؤلاءإلى شواطئ طنجة في خرق سافر لحالة الطوارئ الصحية بالعلاّلي والتنقلإليها ممنوع بموجب قرار وزاري؟ أم أن الأمر كما عبر عنه الفاجومي فيقصيدته همَّ مينْ واِحنا مِينْ “هُمَّ حَيَاتْهُمْ بَمْبِِي جَمِيَلَة، هُمَّ فَصِيلَة واحْنَافَصِيلَة“؟.
وفي الأخير نتمنى أن يكون الصيف هذه السنة مختلفا عن سابقه، وأن تنعمساكنة طنجة بأيام تروح فيها عن أبنائها وتحكي للبحر همومها. ألم يقولوا أنأعين الطنجيين على البحر دائما؟
خالد الرابطي