من I have a dream إلى الإصلاح في فهم ميغالومانيا لوثر حزبه
وسين الشبي فاعل سياسي ومدني وباحث في علم الإدارة والمالية
إن الحديث عن عبد الإله بنكيران ، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سابقا/حاليا ،ورئيس الحكومة المغربية في مرحلة فوران ثورات الخريف العربي ، ليس شخصنة منا أو تحاملا على شخصه ، وإنما المبعث الموضوعي يكمن في مناقشة جوانب نموذج فريد يمتح من الإسلام و الشعبوية و المعارضة و التأييد حسب ما تمليه البرغماتية المادية والشعبوية الفارغة.
عديدة هي المرات التي خرج فيها السي عبد الإله بنكيران ليصرح بلغة شعبوية أنه مازال يصلح جدران منزله ويؤثت بهوه ، وعند حصوله على المعاش الخاص بعد نهاية رئاسته للحكومة ، قال أنه كان يمر بأزمة مالية علم بها الملك وخصص له هذا التقاعد السمين . وهو أسلوب لغوي يحيلنا إلى خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، الذي أذاع بدوره خبر ماضيا مفاده أن ثلاجته كانت فارغة لمدة عقد من الزمن ، والتي لم يملأها غير ماء الصنبور . القاسم المشترك بين بنكيران و السيسي هو لغة الجسد المقبولة عند العامة ، حيث سرعان ما ينفذ خطابهما إلى الأعماق ، ليكون دور الرجلين مثل حبات التخدير أو تأثير الكحول.
يبدو أن القولة الشهيرة للفيلسوف الألماني “دلتاي” الإنسان يفهم و لا يفسر تصلح كدعامة مركزية لفهم أبعاد و دلالات نتائج اقتراع 8 شتنبر 2021 خصوصا أنه لا احد من الباحثين استطاع أن يتنبأ سلفا بخسارة حزب عبد الاله بنكيران و تقهقره من المركز الأول للثامن ومن 125 مقعدا إلى 13….فما الذي حدث؟وهل يجب تفسير السلوك الانتخابي للمواطن المغربي أم إن الناخب المغربي ينفلت من التفسير و يستعصي عن التنبؤ ؟ وهل نحن أمام ظاهرة انتخابية تقبل التفسير من خلال الكشف عن شبكة الأسباب و العلل المتحكمة في سيرها أم إن الفعل الإنتخابي للمواطن المغربي يفهم و لا يفسر؟، ومنه صحيح أننا لسنا في غفلة من مطلب عالم الإجتماع الفرنسي اميل دوركهايم من خلال إسهامه الفكري الشهير قواعد المنهج السوسيولوجي ودعوته إلى ضرورة دراسة الظواهر الاجتماعية كأشياء مستقلة عن ذات الباحث بحيث تتم ملاحظتها من الخارج من خلال التخلي عن الأحكام المسبقة عند الملاحظة وأن يكتفي الباحث بتحديد الخواص الخارجية المستقلة للموضوع بتخليصه من مظاهره الفردية الذاتية ما دامت الظاهرة الاجتماعية تتميز بسمة الخارجية و التكرار والإكراه الخارجي المفروض على الأفراد، إلا أن الفعل الإنتخابي في اعتقادنا كفعل إنساني عكس ذلك، يناسبه التأويل والفهم الذي يساعدنا على فهم مقاصد ودلالات وغايات الفعل الإنساني التي تحددها الذات الناخبة..
ان اللغة السياسية الشعبوية للامين العام السابق/الجديد السيد عبد الإله ابن كيران وخروجه المباشر و المرتجل على الفايسبوك قبل انتخابات 8 شتنبر وأثناءها من خلال توظيفه لأسلوب حجاحي يطبعه التهكم و السخرية تجاه الفنانين و الإقصاء و العداء تجاه الأساتذة برفض برنامج الأحرار للزيادة في أجورهم مما ولد مفعولا عكسيا سواء على مستوى الدعاية لبرنامج الأحرار أو على مستوى خلق رغبة في التصويت العقابي ضده من طرف أكبر قوة عددية للموظفين المدنيين بالمغرب أي رجال و نساء التعليم.، كما ان جاذبية برنامج حزب التجمع الوطني للأحرار و نجاحه في تسويق نفسه كبديل واقعيا وفي العالم الافتراضي اعتمادا على منهجية الإنصات والتواصل المباشر مع الناخب المحتمل عوض التعالي والوصاية وبلغة اقتصادية سهلة الفهم تأسر الناخب المغربي وتركز على 5 التزامات أساسيةمحصورة زمنيا من2021إلى 2026 وهي: الحماية الاجتماعية، والصحة، والشغل، والتعليم،والاستماع.
قصارى القول، تبدو هذه بعض المقاصد والبواعث التي تحكمت في الفعل الإنتخابي للمواطن المغربي والتي أدت إلى الهزيمة الديمقراطية لحزب العدالة و التنمية بالمغرب،بالشكل الذي يجعل من لحظة التصويت فعلا انتخابيا قصديا يروم إنتاج معنى سياسي مقصود من طرف الفاعل الانتخابي (الناخب)و هو العقاب السياسي. الشئ الذي جعل حزب البيجيدي يهرول نحو البحث عن مارثن لوثر من داخل الحزب كي يصلح ما يمكن إصلاحه و لمحاولة العودة للواجهة التي تغيرت خوارزمياتها وطرقها واساليبها. الا إنني كباحث لا أزعم الجرد الكامل لنوايا الناخب المغربي بل هي محاولة لفهم معنى الفعل الانتخابي بالمغرب على ضوء نتائج اقتراع 8 شتنبر 2021.
حيت اكتسى خطاب بنكيران أهمية قصوى داخل الوسط السياسي والاجتماعي المغربي للتحليل في منحييْن أساسييْن الا وهما تفكيك تفكيره ونفسيته وفق أدوات علم النفس السياسي، واستشراف مسعاه لاستعادة دوره السياسي، وهو يتريث بين سياق محفز وديناميات متحرّكة ومآل منفتح على أكثر من سيناريو، فمن المهم أن نفهم الطبقات العديدة لتركيبة الزّعيم ليس مجرد ما يبدو على السطح، ولكن أيضا ما وراء الرجل الذي يقف وراء القناع وكيف يتشكل سلوكه،سواء تفهّمنا بنكيران المعياري الذي يشدد على أن رئاسة الحكومة في مرجعيتنا والتزامنا وهي مرجعية المبادئ والإنسان يتحمل المسؤولية أو بنكيران الواقعي المنفتح على التنازل، إذ يقول “أنا أكبر خواف مما تكتبه بعض المواقع أخاف على نفسي وأهلي ورزقي وأخاف عليكم بعد ما كان يتم استدعائي إلى مراكز الشرطة”، يجسد الرجل الأيديولوجيا الكاريزمية التي تحدث عنها عالم الاجتماع شارلز ورايت ميلر قائلا “قلما يعتقد الأشخاص ذوو المزايا أن ما يحدث لهم هو نتاج مزاياهم تحديدا هم يؤمنون ببساطة أنهم يستحقون بطبيعتهم ما يملكونه وفي دواخلهم قناعة أكيدة أنهم نوع من النخبة الطبيعية وهم يعتقدون حقا أن ممتلكاتهم وامتيازاتهم هي امتدادات طبيعية لحالتهم النخبوية.
راهن بنكيران على أنّ أنصاره في الشبيبة والمجلس الوطني والأمانة العامة لحزبه العدالة والتنمية كونهم(ن) يستطيعون قلب المعادلة، إذا ألحّوا على ترشيحه للأمانة العامة للحزب في المؤتمر فهو يقول “إذا كان من الضروري، لن أعود رئيسا للحزب حتى تقطعوا هاذ الحوايج”، وفي كل خرجة (live) تبنى بنكيران في خطابه المنطق الاستنتاجي في تبرير الأخطاء واستمالة التأييد قائلا “قُمنا بأمور إيجابية وربّما قُمنا بأخطاء. لكن لا ينبغي تبرير أخطاء بأخطاء” كما أنه يستخدم الصور الإيحائية في أكثر من نقطة منها “التنازل في غير محلّه مثل الحجرة التي تهوي من أعلى الجبل الى الدرك الأسفل اللامتناهي، وقد تنتهي إلى عمق الوادي”.
وبعدما انتخب المؤتمر الوطني الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية المغربي عبد الإله بنكيران أمينا عاما جديدا للحزب يوم أمس، خلفا لسعد الدين العثماني،حيث حصل بنكيران على 1012 صوتا من مجموع 1252 صوتا، ها نحن ذا اليوم نشهد عودة رجل الاطفاء ويحق لنا بعد كل هذا أن نتساءل بصوت أم كلثوم في الأخير: “ما ذا يريد عبد الاله بنكيران ؟ ولماذا استشهد يوم أمس بأغنية لناس الغيوان توحي الى انه رجل من رجالات الدولة الناذرين ؟هل الصالون لازالت فيه زاوية لم تصلح بعد ؟ ام أن هناك اصلاحات أخرى لازالت قادمة ؟